عهد الملك عبد الله عزز دور المملكة الإقليمي والعالمي سياسياً واقتصادياً ">
جاءت زيارات المغفور له الملك عبد الله بن عبد العزيز العديدة للدول العربية والإسلامية والصديقة لتشكّل رافداً آخر من روافد اتزان السياسة الخارجية للمملكة وحرصها على مسيرة التضامن العربي والسلام والأمن الدوليين. وللمملكة إسهاماتها الواضحة والملموسة في الساحة الدولية عبر الدفاع عن مبادئ الأمن والسلام والعدل وصيانة حقوق الإنسان ونبذ العنف والتمييز العنصري وعملها الدءوب لمكافحة الإرهاب والجريمة، طبقاً لما جاء به الدين الإسلامي الحنيف منهج المملكة في سياساتها الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى مجهوداتها في تعزيز دور المنظمات العالمية والدعوة إلى تحقيق التعاون الدولي في سبيل النهوض بالمجتمعات النامية ومساعدتها في الحصول على متطلباتها الأساسية لتحقيق نمائها واستقرارها.
وتمكن خادم الحرمين بحنكته ومهارته في القيادة وتبادل الزيارات مع العديد من قادة الدول العربية والإسلامية والصديقة من تعزيز دور المملكة في الشأن الإقليمي والعالمي سياسياً واقتصادياً وتجارياً، وأصبح للمملكة وجود أعمق في المحافل الدولية وفي صناعة القرار العالمي وخدمة القضايا العربية والإسلامية ومن ذلك مشاركتها لمجموعة العشرين الاقتصادية مما انعكس إيجاباً على مسيرة التضامن العربي والأمن والسلام الدوليين.. وفي شهر سبتمبر من عام 2011م تم في مقر منظمة الأمم المتحدة في نيويورك التوقيع على اتفاقية تأسيس «مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب» الذي دعا إلى تأسيسه خادم الحرمين الشريفين - رحمه الله - في المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي عقد في الرياض 2005م بحضور وفود من أكثر من ستين دولة.. وقام بتوقيع الاتفاقية بين المملكة ومنظمة الأمم المتحدة كلٌ من المغفور له الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية رئيس وفد المملكة إلى اجتماعات الدورة السادسة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، ومعالي الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة بان كي مون.
وأعلنت المملكة مساهمتها بمبلغ عشرة ملايين دولار لتغطية ميزانيته لثلاث سنوات، وأكدت مساندتها لجميع الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب.. وفي شهر أكتوبر من عام 2011م وقَّع سمو وزير الخارجية - رحمه الله - في العاصمة النمساوية فيينا، مع نائب المستشار ووزير الشؤون الأوروبية والدولية لجمهورية النمسا الدكتور ميخائيل شبيندلغر، ووزيرة الخارجية والتعاون لمملكة إسبانيا ترينيداد خمينيس غارسيا - هريريا، اتفاقية إنشاء مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار، بحضور عدد من ممثلي الهيئات والمنظمات الدولية وهيئات الحوار الديني والثقافي.. وفي مجال علاقات المملكة المتميزة مع دول العالم جاءت زيارات الكثير من الملوك والرؤساء والزعماء إلى المملكة لتشكّل رافداً آخر من روافد السياسة الخارجية للمملكة وحرصها على السلام والأمن الدوليين، حيث قام - رحمه الله - بمحادثات مع القادة والمسؤولين في تلك الدول استهدفت وحدة الأمة العربية وخدمة الأمة الإسلامية إضافة إلى دعم علاقات المملكة مع الدول الصديقة، فكانت بفضل الله لقاءات ناجحة انعكست نتائجها بشكل إيجابي على مسيرة التضامن العربي والأمن والسلام الدوليين.
وفي إطار الأعمال الإنسانية للمملكة حرصت المملكة على أن تكون سباقة في مد يد العون لنجدة أشقائها في كل القارات في أوقات الكوارث التي تلم بهم.. وإدراكاً من المملكة لمسؤولياتها نحو المجتمع الدولي ونظراً لما تمر به المنطقة من أزمات وصراعات ضاعفت الدبلوماسية السعودية جهودها على الساحتين الإقليمية والدولية عبر انتهاج الحوار والتشاور وتغليب صوت العقل والحكمة في سبيل درء التهديدات والأخطار والحيلولة دون تفاقمها والعمل على تهدئة الأوضاع وتجنب الصراعات المدمرة وحل المشاكل بالوسائل السلمية، وذلك انطلاقاً مما يدعو إليه ديننا الإسلامي الحنيف وتمليه علينا قيمنا العربية والإنسانية.
وتضمن تقرير البنك الدولي عن مناخ الاستثمار لعام (2011م) تصنيف المملكة في المرتبة (11) الحادية عشرة من بين (183) مئة وثلاث وثمانين دولة تم تقييم الأنظمة والقوانين التي تحكم مناخ الاستثمار بها متقدمة من المركز (13) الثالث عشر الذي حققته في عام (2010م).. وقد وجه - رحمه الله - باستكمال مشروعات خدمة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة وتيسير أداء المناسك على حجاج بيت الله الحرام براحة وطمأنينة بتطوير الخدمات للحجيج واكتمال منشآت جسر الجمرات واستكمال امتداد الأنفاق والتقاطعات والجسور واستكمال مشروع قطار المشاعر وإنجاز مشروع توسعة المسعى، مما ساهم بمشيئة الله في تسهيل حركة ضيوف الرحمن في المشاعر المقدسة.
ووجَّه خادم الحرمين الشريفين - رحمه الله - خلال رعايته اللقاء السنوي للسنة الثالثة من الدورة الخامسة لمجلس الشورى يوم الأحد 27 شوال 1432هـ الموافق 25 سبتمبر 2011م كلمة ضافية أعلن من خلالها قراره - رحمه الله -.
أولاً: مشاركة المرأة في مجلس الشورى عضواً اعتباراً من الدورة القادمة وفق الضوابط الشرعية.
ثانياً: اعتباراً من الدورة القادمة يحق للمرأة أن ترشح نفسها، ولها الحق كذلك في المشاركة في ترشيح المرشحين بضوابط الشرع الحنيف.
وعلى مستوى مجلس التعاون لدول الخليج العربية افتتح - المغفور له - الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود يوم الاثنين 24 محرم 1433هـ الموافق 19 ديسمبر 2011م اجتماعات الدورة الثانية والثلاثين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وذلك بقصر الدرعية بالرياض، وأعلن قادة دول المجلس ترحيبهم ومباركتهم للمقترح الذي ورد في خطاب خادم الحرمين الشريفين للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد وتشكيل هيئة بواقع ثلاثة أعضاء من كل دولة لدراسته من مختلف جوانبه.
معجزة التاريخ
ومن الأقوال والآراء المأثورة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله - قوله: إن المعجزة التاريخية على أرض الجزيرة العربية قد تحققت بفضل من الله، ثم بعبد العزيز ورجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فكانت الوحدة ثمرة ذلك الكفاح العظيم.. وقال - رحمه الله - في كلمة ألقاها مساء يوم الأحد 25 من ذي الحجة 1419هـ 11 من إبريل 1999م خلال حفل أهالي المنطقة الشرقية احتفاء بزيارته للمنطقة: من شواطئ بحرنا الأحمر إلى ضفاف خليجنا العربي جئنا والتاريخ والإنسان ووحدة النفس والأرض والهدف متاعنا في رحلة عمرها في نبضات الزمن خفقات الرجال وجرأة الشجعان وخشية الموحدين آنذاك على آمال عظام سكنت قلوبهم يوم كانوا على هذه الضفاف، وكيف لا يكون هذا ورياضهم يتردد نداؤها في آذانهم شوقاً واغتراباً وحسرة. يومها كان للنداء ملب.. وللجراح دواؤها.. وكان فرج الله الذي خطا به عبد العزيز خطواته الأولى على أرض الجزيرة العربية عزماً وثباتاً وإيماناً بأن الشهادة حق والنصر حق وما بينهما مساحة لا يتجاوزها إلا من ودع أهله وداع المفارق طلباً للنصر أو الشهادة.. يومها سعى عبد العزيز ليسترد ميراث آبائه وأجداده حاملاً لواء كلمة التوحيد خفاقة في آفاق لا حدود لها.. فبالله ثم عبد العزيز ورجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه تحققت المعجزة التاريخية على أرض الجزيرة العربية فكانت الوحدة ثمرة ذلك الكفاح العظيم، فهنيئاً لنا مئوية التوحيد أمناً واستقراراً ورفعة وعطاء.. أيها الإخوة الأعزاء.. ستبقى ذاكرة التاريخ نشطة متيقظة وسيبقى الأمس معنا نأخذ منه دروساً لحاضرنا ومستقبلنا، فأمانة الأمم ليست حرزاً يغلق عليه بل معطيات يضاف عليها.. أقول ذلك أيها الكرام لنستمد العبر من أحداث الماضي ونقرأ التاريخ وأحداثه ومتغيراته ونأخذ منه المواقف أو حتى قراءتها، بعيداً عن عقل الأمة ومصالحها العامة فلا مكان لرأي أو عمل قاصر في الرؤية ولا قبول أو استجابة أو مهادنة لمن قدم مصلحته الشخصية على مصلحة الوطن والشعب.. إنه لشرف عظيم أن أكون مواطناً قبل أن أكون مسؤولاً وشرف كهذا كلنا شركاء فيه ونفخر به مهما تباعدت بقاعنا الجغرافية أو تعددت جذورنا أو اختلفت مذاهبنا طالما أن كلمة التوحيد هي شريعتنا ومنهجنا.. لذلك علينا أن نحافظ على هذا الشرف وذلك العطاء ولا نجعل بيننا منفذاً لحقد ولا مدخلاً لحسد ولا موقعاً لشامت كاره.. فلن تهدأ نفوس الحاقدين الارهين ولن تقر لهم عين إلا حين يروننا قد عدنا إلى الشتات والعوز ولكن المكر السيىء لا يحيق إلا بأهله وسيبقى هذا الوطن شامخاً بالله ثم بكم ولو كره الكارهون.
وفي برقية جوابية بعثها - رحمه الله - إلى الأمير بدر بن عبد العزيز - رحمه الله - رداً على برقية سموه المرفوعة بمناسبة الذكرى المئوية للمملكة، قال الملك عبد الله - رحمه الله -: نحمد الله العلي القدير على نعمه التي لا تحصى وأولها نعمة الإسلام التي ألفت القلوب والنفوس تحت راية حمل لواءها رجل عظيم أسند منكبيه على شرعية الحق وواجه التاريخ بإرادة القوي المؤمن بقدر الله فخطا خطواته الأولى إلى قلب الأحداث بعزيمة قطعت خطوط الرجعة واستقبلت قدرها نصراً أو شهادة في سبيل الحق والشرعية فكان النصر حليف من كبر وهلل لله العزة وبه التمكين.. وأضاف: واليوم يبقى عبد العزيز رمزاً منتصباً على هامة التاريخ مشيراً بسبابته إلى كل رجاله المخلصين الموحدين لله جل جلاله.. أب لكل شعبه ومما قاله الملك عبد الله بن عبد العزيز في الملك عبد العزيز - رحمه الله -: (.. إن أثبت الذكريات في ذهني عن المغفور له الملك عبد العزيز إيمانه العميق بالله وثقته بأهداف شعبه، وصلابته الفذة، وحكمته في رسم الخطوات وتنفيذها باتجاه الهدف.. وبقدر ما تميز - رحمه الله - بالصلابة، ومجابهة أقسى الظروف بقلب واثق بالنصر، فقد كان في نفس الوقت أباً بكل ما تحمله هذه العبارة من معاني العطف والمحبة والإيثار.. إنه لم يكن أباً لأسرته فقط، بل لكل أبناء شعبه الوفي).