رقية الهويريني
استنفد الكتّاب طاقتهم وشاركهم كثير من المواطنين المناشدة بجعل يوم السبت إجازة بدلاً من الخميس أسوة بجميع دول العالم، واستمرت المطالبات العديدة سنوات طويلة، ولكن بعضهم تدخل وأشار بعدم جواز تلك المطالبات لأنها بزعمهم تشبّهٌ بالكفار؛ برغم أن الإجازة ذاتها لم تكن معتمدة شرعاً في زمن النبي عليه الصلاة والسلام ولا الصحابة رضوان الله عليهم، حيث لم يكن ثمة عمل رسمي يبدأ في يوم معين ولا ساعة محددة! ولكننا بلينا في الرفض والمشاكسة باسم الدين تارة، وتارات تحت مسمى الخصوصية والعادات والتقاليد البالية!
وبحمد الله تم تغيير يوم الإجازة بإرادة سياسية! ولكن برغم أن بلادنا حالياً تعيش انفتاحاً ووعياً؛ إلا أننا نعاني من تدخلات البعض في الأمور السياسية والاجتماعية من لدن فئة تمارس الوصاية على فكر الناس، وباستطاعتها تحويل أي مستجدات لجدل يحمل الصبغة الدينية!
والحق إنني كثيراً ما أعجب من حزم الملك عبد العزيز رحمه الله وشجاعته وحكمته من تحديد يوم في السنة ليكون اليوم الوطني للمملكة في زمن كان المجتمع يرزح تحت الجهل! وفي ظل وضع اجتماعي يغلي بالقبائلية في أعتى صورها، والمناطقية في أشد حالاتها، والتشظي في المذهبية. بل إنه أقره بالتاريخ الميلادي، في 23 سبتمبر وما يوافق الأول من برج الميزان من السنة الشمسية، وفي أول يوم من الخريف وهو ما يعد اختياراً موفقاً، فهذا الفصل مرحلة انتقالية يتغير فيها المناخ ويعتدل الطقس فتنخفض درجات الحرارة تدريجياً، وتتساوى فترتا النهار والليل، وتهطل الأمطار الغزيرة على بعض المناطق وتكثر هجرة الطيور، وتبدأ بوادر الزراعة، ويكون الجو عليلاً في الليل، وفي هذا الفصل بالتحديد تغدو الحياة ميالة نحو السكينة والهدوء.
ولا شك أن توحيد الملك عبد العزيز لهذا الكيان الكبير تحت مسمى واحد، يعد إنجازاً فريداً، لذا كان من المحتم استشعار هذا اليوم التاريخي بداية من التوحيد ومشقة المعارك التي خاضها الملك المؤسس، وحتى إقرار السياسة الحديثة من وزارات وهيئات حضارية ودواوين مما يعتبر آنذاك أمراً استثنائياً، واستعانته يرحمه الله بالخبرات الأجنبية وإعراضه عن المثبطين بما يتعلق باستخراج النفط تلك الثروة العظيمة، ومن ثم السياسة الحكيمة في استخراجها وتسويقها، والانضمام للمنظمات العالمية كأحد أعضائها المؤثرين. كل تلك الإنجازات الهائلة هي التي جعلت بلادنا بهذا المستوى، والمكانة.
ولعل التحدي الكبير هو تقدمها ونموها الذي لن يتأتى إلا من خلال وقوف المواطن مع حكومته مشاركاً في بناء وطنه واستقراره.