شحادة أبو بقر
لم تستطع طهران مواصلة إخفاء حقيقة نواياها تجاه العرب والمسلمين بعامة، فلقد داهمتها الأحداث الجسيمة التي كشفت إستراتيجيتها الساعية للهيمنة والتوسع وبسط نفوذها على المشرق العربي كله، وتحقيق حلم ملاليها في إقامة الإمبراطورية الفارسية الكبرى على أنقاض النظام الرسمي العربي،
ولذلك جهدت في تقديم الدعم الكبير لحزب الله في لبنان دون الدولة اللبنانية، وللحوثيين في اليمن دون الدولة اليمنية، وللشيعة في البحرين دون الدولة البحرينية، وللنظام العلوي في سورية دون الشعب السوري، وللنظام الطائفي في العراق بزعامة نوري المالكي دون الشعب العراقي، ومن أجل التغطية وتجنبا للانكشاف المكشوف أصلاً، فالقليل من الدعم الذي يديم الوجود ولا يوفر الغلبة لحركة حماس في فلسطين، مع العمل المثابر في اتجاهين متوازيين، الأول، اللعب على وتر القضية الفلسطينية التي تقض مشاعر الملايين من العرب، كسبا لمشاعر تلك الملايين التي كانت ترى حتى وقت قريب، أن إيران هي المنقذ وأن تحرير فلسطين والقدس لن يكون إلا بيد طهران وحزب الله، في ظل العجز العربي المستفحل، والثاني، نشر التشيع بين العرب السنة باستثمار هذه المشاعر المستجدة التي سئمت استمرار الاحتلال الإسرائيلي وباتت كالغريق الذي يتشبث بقشة أملاً في النجاة والخلاص من هذا الواقع المر.
بالطبع كلف هذا النهج الممنهج إيران، الكثير من الوقت والجهد والمال، لكنه أثمر لها الكثير في ظل التشرذم العربي، لا بل والخلاف العربي بين مشكك في سياسات إيران وبين مدافع عنها، إلى نوع ثالث متوجس لا يكاد يصدق، إلى أن كشف الربيع العربي عن الحقيقة كما هي، فلم يعد بد أمام طهران إلا أن تحارب في سورية والعراق واليمن، وأن تنكشف مخططاتها في لبنان والبحرين وسواهما، بأمل أن يصمد مددها وحلفاؤها في تلك الدول، إلى أن طفح الكيل، لتنهض السعودية بالمهمة بعد محاولات شتى لعل طهران تعود إلى جادة الصواب وتراجع حساباتها العقيمة واطماعها في بلاد العرب، ولكن دون جدوى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
عندما فوجئت إيران بالرد السعودي الحاسم في اليمن مع دول التحالف العربي، جن جنونها، وصبت جام غضبها على السعودية تحديداً، فهي أي السعودية حسب زعمها ومعها عميلها المالكي، من يؤجج نار الطائفية في المنطقة، وهي سبب حروبها، ولهذا لا بد من وضعها تحت وصاية دولية إلى غير ذلك من الكلام المنفلت من عقاله، فلقد أفسدت السعودية مخططهم بعد إذ كان على وشك الهيمنة على منظومة الحكم في اليمن، كبوابة للتمدد نحو مكة والمدينة وسائر الخليج العربي، ثم في كل الاتجاهات لتقاسم النفوذ مع إسرائيل غرباً، لتكتمل حلقة الهيمنة لنظام سياسي رسمي جديد لا وجود فيه للعرب، خاصة في ظل اكتمال الاتفاق النووي مع الغرب الذي بات مرعوباً من تكاثر التنظيمات الإرهابية الإسلامية السنية تحديداً.
لم تعد نوايا وتطلعات إيران في عالمنا العربي تخفى إلا على جاهل، فكل أموالها وكل ما لديها من مقومات يبذل في اتجاه توسعي نحو أرض العرب ووجودهم كأمة، وفي المقابل، تقف المملكة العربية السعودية، باعتبارها دولة اعتدال كبرى توظف أموالها وجهودها ووقتها دفاعا عن عظمة الإسلام وسماحة الإسلام ليس في حدود العالمين العربي والإسلامي وحسب، وإنما في طول الكوكب وعرضه، وكل من جال في هذا العالم الواسع, لاحظ بوضوح حجم الدعم السعودي للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ومن المؤكد أن السعودية لا تبغي من وراء هذا البذل السخي، الهيمنة والتوسع في إفريقيا وأوروبا وآسيا وكل بقاع الأرض، ولا يملك جاحد أن يجادل في حقيقة أنه بذل لوجه الله تعالى، فماذا فعلت إيران الإسلامية في هذا الاتجاه، وأين تنفق أموالها وتبذل جهودها في غير تأجيج نار الطائفية في دنيا العرب، لتكون سبباً في شقائهم وهدر دمائهم وتبديد مقدراتهم لغرض في نفس يعقوب، والغريب أن لها أعوانها ومناصريها منا نحن العرب، وما درى هؤلاء أنهم سيكونون في الدرك الأسفل عندها فيما لو تحققت غايتها في بلادنا -لا قدر الله-.
ختاماً، لنضع إيران والسعودية في الميزان العدل ونقارن، بين من يعمل بتقوى من الله ولا يؤذي أحداً من خلقه لا بل يمد لهم يد العون في سائر أنحاء المعمورة، ومن في المقابل يؤجج نار الطائفية بين المسلمين، والعرب بالذات، ومن يقاتل إلى جانب الطغاة ضد شعوبهم المظلومة، ومن يسعى وبكل الوسائل للهيمنة على أرض العرب، ومن يخاصم صحابة رسول الله صلواته وسلامه عليه، ومن يوظف عديد الفضائيات لنشر التشيع والخرافات والأوهام، ومن يمارس التقية في تمرير احقاده ونياته، ومن يدعي مخاصمة الغرب ظاهريا ويتولاهم باطنياً، إنها إيران الرسمية وبامتياز، إيران التي كنا نظنها عوناً لنا، لنستبين وربما بعضنا ما زال سادراً في ظنه, أن عداءها غير المبرر للعرب، عداء لا حدود له، ولا حول ولا قوة إلا بالله.