د. عبد الرحيم محمود جاموس ">
إن الأحداث التي شهدها الأقصى المبارك في الآونة الأخيرة، بسبب الاعتداءات المنظمة للمستوطنين وللمتطرفين اليهود وبالرعاية الرسمية من حكومة اليمين الصهيوني بقيادة نتنياهو، كشف بما لا يدع مجالاً للشك عن طبيعة وعقلية المتحكمين في الكيان الصهيوني، التي لا تعدو عن عقلية عصابة متطرفة طوطمية لا تقيم وزنًا لأي اعتبارات أخلاقية أو دينية للآخر، وأي آخر سواء كان هذا الآخر مسلمًا أو مسيحيًا، وحتى لو كان يهوديًا لا يؤمن بفكر التطرف، هذا الفكر الديني الأسطوري المتخلف الذي بات يحكم العلاقة بين المحتل الصهيوني والفلسطيني الوطني كان مسلمًا أم مسيحيًا، يعيد طرح القضية الفلسطينية إلى الواجهة السياسية العربية والدولية ويدفع بالقيادات العربية والإسلامية وكذلك الدولية للتحرك، لضبط إيقاع التطورات التي قد تقود إلى تحويل الصراع إلى صراع ديني مقدس، لن يقتصر شرره على فلسطين والمقدسات الإسلامية وكذلك المسيحية في القدس خاصة وفلسطين عامة، وإنما قد يمتد إلى أنحاء متفرقة وقد لا تكون في الحسبان، وإذكاء صراع يصعب التوصل إلى حل أو تسوية بشأنه، لذا وجدنا التحرك الدبلوماسي الإقليمي والدولي يعود إلى حالة من النشاط غير مسبوقة، على مستوى الجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، والأمم المتحدة، وما يزيد ذلك أهمية أن تأتي هذه التطورات والتصعيد الإسرائيلي للمس بالمسجد الأقصى واستهدافة بالتقسيم الزماني والمكاني بين المسلمين واليهود المتطرفين مع انطلاق أعمال الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، هذه الجمعية التي كانت قد أصدرت في دورتها الثانية للعام 1947م وفي 29-11 توصيتها الشهيرة رقم 181 التي قضت بتقسيم فلسطين، إلى دولتين (إسرائيل - فلسطين) ووضع المدينة المقدسة تحت الوصاية الدولية، وتلك التوصية هي السند القانوني الوحيد الذي تملكه دولة الكيان الصهيوني، وقد نفذ الشق الأول بقيام (دولة إسرائيل) وجرى تعطيل الشق الثاني القاضي بإقامة دولة فلسطين، وما نتج عنها من تجاوز الكيان الصهيوني للمساحة المقررة له في قرار التقسيم لتصل سيطرته إلى 78 في المائة من مساحة فلسطين التاريخية، ثم يكمل احتلاله لما تبقى من فلسطين لتصبح تحت سيطرته كامل الأراضي الفلسطينية، وتحويل نصف الشعب الفلسطيني إلى لاجئين مشردين خارج فلسطين، ومن تبقى منهم صامدًا في وطنه، يعامل معاملة الغريب الطارئ على (أرض إسرائيل) ويرضخ إلى شتى أصناف العذاب والإراب والهوان، والمحاربة في الرزق وسبل العيش الكريم، والتعرض للاعتداءات المتكررة من قطعان المستوطنين.
لقد أصبح وضع الفلسطينيين في وطنهم فلسطين، أسوأ من وضع الشعوب الإفريقية في ظل نظام الفصل العنصري المقبور، هذا ما يطرح على الجمعية العامة في ظل هذه التطورات والأوضاع الخطيرة التي يئن الشعب الفلسطيني تحت وطئتها، بسبب تلك السياسات الإرهابية والعنصرية من قبل الكيان الصهيوني، أن تقول كلمتها النهائية بشأن هذه الأوضاع، في العودة إلى إعادة الاعتبار لقرارها رقم 181، وأن تتخذ القرارات والتوصيات التي تدفع مجلس الأمن الدولي لاتخاذ القرارات والإجراءات الملزمة والكفيلة بتصحيح هذه الأوضاع، وإنهاء الغطرسة الصهيونية، وإحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في وطنه، من حق العودة، وتقرير المصير، والحفاظ على المقدسات الإسلامية وفي مقدمتها الأقصى المبارك، وجميع المقدسات الإسلامية والمسيحية، من المسِ بها أو التغييرِ من وضعها، وضمان الحفاظ عليها، وضمان حق الوصول إليها لكل المسلمين والمسيحيين دون تمييز، وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته الفلسطينية المستقلة، وتمكينها من ممارسة سيادتها على كامل أراضيها التي أقرت بها التوصية 181 التي تمثل أساس التسوية والتقسيم الذي أوجد دولة الكيان الصهيوني، وتعرية السياسات الإرهابية والعنصرية التي يمارسها الكيان الصهيوني وتهدد الأمن والسلم في المنطقة والعالم، ووضع حدٍ لها ولاستمرارها.
إن هذا التحدي الصهيوني المتواصل والمتصاعد تجاه الأقصى المبارك، قد أعاد القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث والاهتمامات العربية والإسلامية والدولية، الذي لن تتقدم عليها أية أحداث أخرى، مهما علا شأنها.
- عضو المجلس الوطني الفلسطيني