حماد الثقفي ">
يستقبل المسلمون في كل مكان أعيادهم بفرحة واحدة، مرة بفضل الله ورحمته، وكريم إنعامه، وأخرى بالهداية يوم ضلت فئات من البشر عن صواب الدين المستقيم، {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّة وَلِتُكَبِّرُوا اللَّه عَلَى مَا هَدَاكُمْ} (البقرة: 185).
أعيادنا مليئة بالفرح والسرور، ولا مكان للحزن فيها خلافاً لبعض الأمم كالأعياد الجنائزية لدى الفراعنة، وكعيد الغفران اليهودي، وغيرهما.. فللعيد فرحة ببلوغ الأيام الغر والليالي الزهر العشر من ذي الحجة، وفيها يوم عرفة؛ إذ يصطف فيه جموع المسلمين في سبح طويل استغفاراً وتسبيحاً وقرآناً.. فكم تلجلجت الدعوات في الحناجر! وترقرقت الدموع في المحاجر! وشفت النفوس، ورقت وكأنها في السماء تعيش مع الملائكة. فلله الحمد على ما وهب وأعطى، وقال العلماء: «إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين». قال أنس: «قدم رسول الله المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: إن الله أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر». إذ في إبدال عيد الجاهلية بالعيدين المذكورين دلالة على أنه يفعل في العيدين المشروعين ما يفعله أهل الجاهلية في أعيادهم من اللعب مما ليس بمحظور؛ لأن النبي إنما خالفهم في تعيين الوقتين.
ومن الدهشة أن يتجاوز هذا الهدي النبوي المنير من يحاولون قتل أفراح العيد، والتضييق على مشاعر الناس من بعض الغيورين، وعن حسن نية أيضاً، فليس لأعيادنا صلة قريبة أو بعيدة بقتل الإنسان وتهجيره وإفساد الأوطان وتدميرها كما في عيد الشكر الأمريكي؛ لتتذكر جرائمها الوحشية وإبادتها للهنود الحمر في قصة جديرة بأن تكون وصمة عار وخزي لا موسم احتفال. فأي طبيعة تحتفل بقتل مائة مليون إنسان، وسلخ فراء رؤوسهم، وتدمير ديارهم؟! أو كما يفعل بمسلمي بورما، أو تشريد الناس من أوطانهم في سوريا والعراق.. وغيرهم؟
إن مآسي المسلمين ثمار مُرّة لخطايانا وأخطائنا، ولا يمكننا مداواتها بالوجوم والحزن، بل بالرأي السديد والعمل الرشيد. فلِمَ لا نجعل من هذا العيد فرصة لتدفق الأمل في قلوب أحبطها اليأس، وأحاط بها القنوط، فما عمر الإسلام بقصير، بل أطول من أعمارنا، وآفاقه أرحب من أوطاننا، وليست المصائب ضربة لازب، لا تحول ولا تزول، فسنن الله لا تحابي أحداً.
- كاتب ومحلل سعودي