محمد أبا الخيل
استهل هذا المقال برفع أكف الضراعة لله الذي تعالت قدرته، أن يتغمد الحجاج الذي توفوا في حادثة التدافع وحادثة الرافعة بواسع رحمته ويشفي المصابين وييسر لهم مناسكهم عامًا آخر، وأن يجزي كل المسؤولين والعاملين على راحة الحجاج وتيسير وتنظيم الحج خير الجزاء، فلا شك أن الجهد عظيم والمسؤولية أعظم، فمنذ أن تولت هذه الدولة المباركة أمر رعاية الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة وهي تبذل كل ما في وسعها لجعل الحج والعمرة والزيارة ميسرة وآمنة لكل المسلمين على اختلاف قدراتهم ولغاتهم ومذاهبهم، وتولي سلامة الحجاج والمعتمرين عناية بالغة بتهيئة المنشآت الضخمة بوسائل وتقنيات السلامة الحديثة، كما تستنفر الدولة أجهزتها الأمنية والصحية والخدمية من أجل أن يؤدي الحجاج نسكهم من دون عناء أو مشقة تلهيهم عن مناجاة ربهم وطلب رضاه، ومع ذلك لم تخل بعض مواسم الحج من أحداث مؤسفة معظمها كان بفعل فاعل قصد إفساد الحج لتبرير انتقاد المملكة والدعوة لأهداف مشبوهة، ويخالجنا الشك بأن هذه الحادثة تمت بفعل ذلك الفاعل الذي اعتاد إيذاء المسلمين في مناسكهم، ولن نستبق انتهاء التحقيقات بالجزم بذلك.
يسرت المملكة كل المعارف والتقنيات لتخطيط وتنظيم المشاعر على الوجه الأنسب ومراعاة لكل ما تقتضيه كل المذاهب الإسلامية على اختلاف اجتهادات فقهائها، ثم بنت الجسور ومهدت الطرق وشقت الجبال وحفرت الأنفاق ووسعت البيت الحرام ويسرت المبيت في منى بتقنية الخيام الحديثة والمناسبة للبيئة وما زالت الدولة السعودية تحسن من تلك المنشآت وتدعم تيسيرها بالخدمات المتعددة، ومع هذا الجهد العظيم إلا أن معظم الحجاج يأتي للحج وهو جاهل بكيفية الاستفادة من هذه الجهود الكبيرة وكثير من الحوادث الصغيرة التي ترهق أجهزة الأمن والمنظمين لسير الحج هي نتيجة لهذا الجهل، سواء كان جهلاً بالمناسك أو جهلاً بطبيعة المشاعر وجغرافيتها، وعلى الرغم من توجيهات وزارة الحج لمشغلي حملات الحج والمطوفين بتهيئة الحجاج بما يتناسب مع متطلبات نسكهم وإدارة حركتهم حسب خطط التفويج إلا أن ذلك لم يحقق الكثير من الانضباط.
لذا اقترح أن تقوم وزارة الحج بالترخيص لمؤسسات داخل وخارج المملكة تقوم على توفير دورات تهيئة وتدريب للحجاج قبل أن يصلوا للمشاعر، ويكون هذا الترخيص مبنيًا على اختبارات تأهيل للمدربين وتحدد الوزارة منهج التدريب، بحيث يشمل التعريف بجغرافية المشاعر وأنظمة السلامة وخطط التفويج وطرق الحصول على المساعدة من المراكز الأمنية والصحية والبلدية، هذا إلى جانب التهيئة الفقهية بالمناسك.
هذه التهيئة ستكون لازمة للحصول على تراخيص الحج في الداخل وتأشيرات الحج من السفارات السعودية حيث يجب على كل متقدم للحج إبراز ما يثبت تلقيه هذه التهيئة.
وربما يجدر بالوزارة الاستفادة من الطريقة الماليزية في تهيئة الحجاج الذين أثبتوا على مدى الأعوام السابقة انضباطًا مثاليًا وقلة في تعرضهم للحوادث والإصابات المنهكة صحيًا.
لقد عملت هذه الدولة الكثير للحج والحجاج وعلى الحجاج عمل القليل لأنفسهم حتى يتمتعوا بحج مبرور وسعي مشكور، فمع تزايد أعداد المسلمين وتزايد طالبي الحج عامًا بعد عام فإن التهيئة التأهيلية أصبحت ضرورة ملحة، وفق الله حكومتنا بقيادة خادم الحرمين الشريفين لكل ما ييسر للمسلمين حجهم وعمرتهم وزيارتهم لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.