السكن في أهميته للإنسان هو مناه في دنياه يقتص جزءاً كبيراً من دخله لشرائه، ولا يعادله شيء من عناصر معيشته يسعى جاهداً في امتلاكه، ولو شد الحزام على غذائه وقصر من ملبسه في مشلحه وعقاله . كل شيء يهون في حياة الإنسان بعد صحته وعافيته إلا السكن . وأقول الإنسان لأنّ هذا المعنى في هذا المضمون يعني الإنسان في كل بلد في العالم، ونحن في المملكة العربية السعودية نملك بكفاية المقدرة على تمويل الإسكان لكننا في أشد العوز لتنظيمه . فلقد ظهرت أهمية الإسكان في المملكة بإنشاء مكتب له ملحقاً بوزارة المالية ثم ملحقاً بوزارة الأشغال ثم وزاره ثم هيئه وأخيراً وزاره، وبطبيعة الحال تتغير مسميات إدارة الإسكان تبعاً لتغير عنوان الإدارة – وزير إذا كانت وزارة ورئيساً إذا كانت مؤسسة أو هيئه – لا يهم ؟
فما طرأ من تغيرات على إدارة الإسكان وتكوين هيكلها الإداري، لم يعط ولا حتى بارقة أمل بتغير ملموس في حل أزمة الإسكان في المملكة والمتمثلة في مشكلة الحصول على أرض . نعم إنها مشكلة أراض لا غير ! فالعقاريون وأخص منهم – ملاّك الأراضي – هم المؤثرون في التمويل البنكي، هم القوة الناعمة للاقتصاد المحلي، ولكي ترى هذه الحقيقة خذ مثلاً شراءك لمنزل ستجد أنّ قيمة الأرض تمثل ثلاثة أرباع القيمة الكلية . مرة أخرى إن أزمة الإسكان في المملكة هي مشكلة أراض وهذه مسألة عويصة تكاد تستعصي لحلها!
إن ما يلوح في الأفق من بدائل هو العمل بشجاعة فيما لابد منه: تلكم لوي العضد وتحويل وزارة الإسكان إلى هيئة مستقلة مالياً وإدارياً يحكمها مجلس أمناء – أمناء فعلاً –، ولا أنسب من أن يرأسها وزير الإسكان الحالي بحكم الاختصاص – مهنته مطور عقاري -! وعليه فإنّ مهمة هذه الهيئة أن تعمل كما لو كانت – مكتباً عقارياً ولكن على مستوى الدولة – وظيفتها شراء الأراضي وتطويرها بالخدمات مقسمة على مساحات مختلفة وفقاً لتعليمات الأمانة في كل منطقه ومن ثم بيعها كأساس لوحدة سكنية على المواطن وبأسعار مخفضة وربما على أقساط ميسرة. مع نص صريح بعدم إعادة بيعها ولهذه الهيئة، بالإضافة إلى بيع وشراء الأراضي حق قبول الهبات من الأراضي لمن يرغب في تخليد ذكراه بالمساهمة في مساعدة أبناء بلده ولا يمنع هذا من تسمية الحي باسمه رجلاً أو امرأة ..
النتائج لهذه السياسة الاقتصادية – المالية - قد يكتنفها ضباب كثيف، وربما غبار عالق ورؤية ضعيفة على مسافة طويلة تختفي في جنباتها صعوبة التنبؤ خاصة رد الفعل المحتمل، ولن أخوض في مزيد. لكني كعادتي في الشؤون المالية أتوكأ على حوادث التاريخ ؟ ففي ذات يوم عصيب وفي العقد السابع على ما أذكر من القرن العشرين، استيقظ المجتمع السعودي في تدافع شديد على أبواب المحاكم مطالبين بإثبات إعسارهم والتخلص من أراض كانوا قد قاموا بشرائها : كانت حالة عسر هضم وعدم قدرة استيعاب وعجز في السيولة النقدية، فتصدى لها الأمير مساعد بن عبد الرحمن آل سعود – يرحمه الله - وزير المالية ما قبل الأسبق واشترى الأراضي وأزال الظلال عن سوق العقار – الأراضي –، فعادت الأمور على أفضل حال وانتعش بل نهض الاقتصاد !
في هذا السياق هل أطمع بإصلاح سوق العقار في المملكة، إذا ما تحولت وزارة الإسكان إلى سوق لبيع وشراء الأراضي من أجل بناء إسكان لإنسان هذه البلاد ؟ علني .. !
- د. محمد بن عثمان الراشد