د. خيرية السقاف
من البدهي أن تمر المجتمعات البشرية باختلاف معتقداتها، وأنماطها، ومستوى معيشتها، ومؤشرات الوعي والحقوق المدنية فيها بعديد من وجوه التغيُّر، وبكثير من مواقف التأزم تارة، والانسيابية تارة، ومفاجآت سلوك البشر الذي ليس هو على وتيرة، أو توقعات واحدة تارات أخر باختلاف الأفراد، وسماتهم، وخصائصهم الفطرية، والمكتسبة..
لذا تضم المجتمعات البشرية من الناس الشرير والخيِّر، والبناء والمقوِّض، والمسالم والعدائي، والمريض والصحيح، نفسا وفكرا ومسلكا..
ومجتمعنا نموذج من مجتمعات البشرية على أديم الأرض بكامل المواصفات البشرية لإنسانه الفرد، فأناسه الجمع، وإلا ما جاء في دستوره الإلهي العظيم ما يوجهه ويوجههم، ويعلمه ويعلمهم، ويضبطه ويضبطهم، ويحذره ويحذرهم..!!
وإلا ما استنت القوانين، ووُضعت الأنظمة، وحُزَّت السيوف، ورُفعت المشانق، ونُصبت المقاصل، وقُررت المثوبات من مَكرمات وعقوبات، وإلا لما فُتحت وأغلقت أبواب السجون، حين يكون السلوك نافرا صادما، هاتكا مقوضا، مدمرا فتاكا، يخرج عن أعراف، وقيم، ومفاهيم الحق، والسلم، والخلق، فيضرب بها شيطان النفس، وشر ما خلق الله تعالى من شياطين الإنس في دروبهم.
لذا فإن ما هو في نطاق الخطأ المنوط بالفرد، والأفراد محض دوافعهم الذاتية، ومحرضاتهم الشخصية يبقى الأمر منه في نطاق اعتيادي تماما، كما هو الحال في كل مجتمع بشري.
أما وقد استهدف الوطن برمته، وشكلت لهذا الاستهداف عناصر بشرية من لحمته، ما كان لها أن تبلغ ما بلغته أذهان المُرهبين فيه المسالمينَ من إخوتهم وأهلهم، ومن معهم من غير لحمته ممن يقيم فيه منعما، أو يقصده متعمدا، أو يتسلل إليه مدججا، فإن هذه المتغيرات طارئة لكنها لن تبقى، ولن تطول بإذن الله الذي وعد أن يكون عونا وسندا، وملجأ ووكيلا،..
ذلك في ضوء يقظة الفرد ومشاركته، والمجموعات أنفسهم، اليقظة المساندة ليقظة الأمن بكل فئاته، وعناصره في جميع مواقعهم، وبكل أدوارهم.
وهاهم ينالون المستور فيكشفون عن المخبأ منه فوق السطح، ويبلغون المدفون منه في عمق الأرض، فيصلون لما في غيابة الصحراء، ويميطون عن طلاسم التورية، ومسارب الظلام بجد الجندي الذي يضع روحه على كفه من أجل أن تبقى روح الوطن خفاقة في أمان..
إن ما أسفرت عنه نتائج العمليات الأمنية برمتها حتى الآن، وإن كشفت عن تغيرات لم تكن في الظن في ظاهر سلوك الواقعين في الفساد، وفي باطن ما تكنه وتصرح به من خطط هدفها تدمير بنية هذا المجتمع، فبلوغ مقاصدها البعيدة، إلا أنها دواء تضعه هذه النتائج على مكامن صدمة الجميع ليذهب آثارها الفاجعة من هذا الذي يحدث، وليمد عضد هؤلاء الجميع ببلسم التلاحم، والتكاتف، والعزم الواحد لمواجهة هذه المتغيرات بعزيمة قلب واحد، ونبضة في عرق جسد واحد.
مستعينين بالله تعالى ليمدهم بعونه، ونوره، وهداه، وحفظه، وعياذه، ويكون الرفيق معهم الخُـلَّص، المجتهدين، العاملين لأمنه، ..
وليخرجهم من أي مأزق، ويكشف لهم الحقائق، ويمكنهم في السعة والمضائق.
إنه القادر، وولي كل أمر.
حفظك الله يا وطن.