سهام القحطاني
المعنى اللغوي للولاية يعتمد على مقامين دلاليين هما «القرب المميز من صاحب السلطة المطلقة» والدلالة الثانية «خصخصة السلطة المطلق لقدير أحادي».
والدلالة الأولى للبشر فيها نصيب، والدلالة الثانية على المطلق «الله القدير».
وبذلك فالولاية علاقة متبادلة بين الله والعبد، وبين العبد والله؛ فالولاية بين الله عزَّ وجلَّ ولاية الربوبية، ثم ولاية النصر والتأييد وهي بين الله والمؤمنين الصالحين وولاية العزة والرفعة والاصطفاء والهداية وهي بين الله وبين الأتقياء الصالحين المجاهدين المحسنين، وهي أسمى درجات الولاية.
«فجوهر ولاية الله للمخلوق هو محبته ونصره وحفظه ورعايته، وجوهر ولاية المخلوق لله هو المحافظة على أداء الطاعات والعبادات، والولاية تتحقق باجتماع الأمرين معاً.»
وترتبط صدقية الولاية بمصاحبة الكرامات، والكرامة هي أمر خارق للعادة يهبها الله سبحانه وتعالى لصاحب الولاية كعلامة صدق لاصطفائه، مثل إجابة الدعاء، قوة على أداء فعل، إحاطة بعصمة.
ويقول ابن تيمية» إن الكرامات هبة ومنّة من الله تعالى يُؤتيها الولي وهي من علامات الولاية، وهي ترجع إلى صفات الكمال الإلهية، العلم والقدرة، فما كان من الخوارق من باب العلم؛ يكون الإلهام والرؤيا والفراسة الصادقة والكشف والمشاهدة، وما كان من باب القدرة فهو التأثير وقد يكون همةً وصدقاً ودعوة مجابة ونصر من الله عز وجلّ. «
ونلاحظ في قول ابن تيمية أنه يتفق مع بعض مظاهر الفناء عند الصوفيين مثل» التجلي والكشف والمشاهدة».
ثم أخذ فهم الولاية بالانقسام بين الشيعة والسنّة، وربطت الشيعة الولاية بالإمامية، وذهب متطرفو الشيعة إلى تأويلات مُسرّفة فيما يتعلّق بعلاقة الولي بالله سبحانه وتعالى وصلت إلى حتمية تناسخ الألوهية بين الولي والله سبحانه وتعالى مما جعل الولي معادِلاً لله من خلال ثيمة التأليه.
يمكن تحديد البداية التاريخية لفكرة الإمامة عند الشيعة بموت الرسول الكريم واعتقاد أنصار علي رضي الله عنه بأحقيته لخلافة الرسول الكريم بالنص والوصاية، ثم على صوت هذه الفكرة بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو ما يعني أن الظهور الأولى للإمامة عند الشيعة كان سياسياً يقوم على أحقية علي رضي الله عنه بخلافة المسلمين، ثم تطورت الفكرة لتشمل تلك الأحقية أهل البيت في سلسال ولد فاطمة أحقية أبدية متوارثة، ثم تطورت الفكرة لإضفاء قدسية العصمة على أئمة آل البيت من الكبائر والصغائر باعتبار الإمامة امتداد للنبوءة.
و أنا هنا لا أريد التطرق لأفكار غلاة الشيعة في هذا الموضوع، لأن هذه الأفكار مرفوضة من أغلبية الشيعة.
والولاية عند السنّة شاملة لجميع المؤمنين لا تقتصر على طائفة دون أخرى، لكن هذا المبدأ اختلف اليوم، من خلال تزحيف الإمامة بخصوصية إحاطة رجال الدين أو صنّاع الفقه.
و قد تناول المتصوفون السّنة مسألة الولاية ومقاماتها وأحوالها وطبقاتها، ويكاد المتصوفون ها هنا يشتركون في ذات الأفكار.
فقد حدد الطوسي سبعة مقامات للولاية وهي؛ التوبة والورع الزهد والفقر والصبر والتوكل والرضا، كما حدد لها عشرة أحوال هي؛ المراقبة والقرب والمحبة والخوف والرجاء والشوق والأنس والطمأنينة والمشاهدة ثم اليقين.
أما طبقات السالكين في معراج الولاية فهم؛ الصادقون، الصديقون، المقربون.
وإذا كان الطوسي يجعل مقام «الرضا» الغاية القصوى للأولياء ،فأبو حامد الغزالي يجعل مقام «المحبة» الغاية القصوى من المقامات، فهو يرى ما بعد المحبة مقام، وكل مقام هو مقدمة للمحبة وتابع لها،و لذا فمقام المحبة هو غاية مقامات الأولياء، وهو أمر لا يُستغرب من الغزالي فهو من أنصار «العشق الإلهي».
والحقيقة أن شهاب الدين السهروردي والذي قُتل في زمن صلاح الدين الأيوبي بتهمة الإلحاد والزندقة، استطاع أن يطور مفهوم الولاية الإمامية ويُخرجها من ثوبها الديني إلى ثوب سياسي ذي خلفية حاكميّة.
يجعل السهروردي الإمامة التي لا تتحقق إلا في ضوء الولاية مرتبة تالية لمرتبة النبوءة، وإذا كان الوحي هو الرابط الإلهي بين النبوءة وصاحبها، فالرابط بين الولاية أي عالم الخلق وعالم الأمر هو «النور الإلهي» أو الإشراقية الذي يُمنح للعارف.
كما يجعل الإمامة قدراً ملازماً للأبدية فهي متممة للنبوءة، وهذا التلازم هو الذي يمنح الولاية صفة التأله وهي الصفة التي تمنح العارف حق التشريع والتجديد والتأويل، وهذا الحق يحوّل العارف إلى «خليفة الله» في الأرض مُحاط بالكمالية المطلقة والكلية الصحيّة.
وهذه الكلية والكمالية يكتسبها العارف من خلال فكرة «الإشراقية»؛ التي ينالها العارف عبر النور الإلهي الخارق في قلب الإنسان العارف.
وتلك العارفية هي التي تمنح الإمامة حق التشريع والتجديد والتأويل.
كما أن الإشراقية تتبلور من خلال « معرفة الله من خلال مقامات التصوف وأحوالها فهي طريق الكشف التي تمنح العارف النور الإلهي المندمج بصورة غير مرئية مع الحس، فيكسب صفة التأله»
والسهروردي يعادل الإمامة بالنبوءة ، فكما أن النبوءة ممتدة بالوحي، فالإمامة ممتدة بالتلقي الإلهي الذي يصل إلى العارف عبر «نور الأنوار» وهو إشراق وفيض نوراني، يقول في إحدى قصائده:
لِأَنوارِ نورِ اللَه في القَلب أَنوارُ
وَللسرّ في سرّ المُحبّين أَسرارُ
وَكاشَفنا حَتّى رَأَيناهُ جَهرَةً
بِأَبصار صِدقٍ لا يُواريهِ أَستارُ
أما ابن عربي وهو من الذين أخرجوا الولاية من إطارها الديني إلى فضاء سياسي.
يعتمد في أفكاره في هذه المسألة على أمرين: نشأة الولاية والإمامة، والأمر الآخر هو «ختم الولاية».
وهو يرى أن الولاية تعتمد في مفهومها على «الاستحقاق الإلهي» الذي يُمنح لمن يختاره الله بالنبوءة والرسالة والإيمان ،فمن يختاره الله للولاية يمنحه النبوءة والرسالة والإيمان، وقد تأثر الإمام الخميني بكثير من أفكار السهروردي.
وبذلك فالولاية عند ابن العربي ثلاث مراتب؛ ولاية النبوءة، ولاية الرسالة،ولاية العارف»الإنسان الكامل» الذي يصل إلى وحدة الوجود عبر الذات الإلهية.