قلت لأصدقائي: هيا ننتحر
اليوم استطعنا أن نفهم بعضنا حقاً.
لقد كنا مكتئبين جداً.
لا يمكننا أن نصل ثانية إلى قمة كهذه من الكمال.
ومن المؤسف أن نضيع الفرصة.
مارين سوريسكو
في رائعة الروائي الفرنسي (دافيد فوينكينوس) «إني أتعافى» تعصف خيبات رحلة العمر بالرجال والنساء على السواء، رغم أن الصورة تبدو من البعيد رائعة في المجمل، وتشي بسعادة مزيفة لأزواج في منتصف الرحلة.
لكن واقع الحال غير ذلك.
الأسباب متعددة، وربما السبب الرئيس هو أنهم (أمضوا حياتهم في إطارها الحالي كممثلين محكومين بالمشهد نفسه وممنوعين من أي محاولة ارتجال). وباختصار، فإن «سوسة رتابة» يومية كانت تنخر ببطء في كل شيء حتى تهاوى كل شيء.
أزواج وزوجات في منتصف العمر رائعون وناجحون، ويبدون أيضاً محبين وحريصين على بعضهم. بعضهم أنجب أطفالاً غادروا العش، وآخرون امتنعوا عن ذلك (إنجاب طفل في هذا العالم..؟) إنه جريمة. هكذا برر المراسل العسكري الذي يجوب العالم بحثاً عن الكوارث. وآخرون لم ينجبوا؛ لأنهم لم ينجبوا، وهكذا هبات الحياة.
وتمضي حيواتهم المملوءة بنمط العيش الرتيب وبالمجاملات وافتعال الحب وبكل محاولات التعويض حتى تأتي اللحظة التي قال فيها كل منهم لرفيق رحلته: يكفي! لم أعد قادراً على الذهاب معك ميلاً آخر، وآن لكل منا أن يجرب مصيراً آخر، ومن يدري؟
البعض تقبل ذلك بهدوء كحتمية حياتية.. آخرون يتساءلون: لماذا.. لماذا؟ لكنهم في النهاية يقتسمون الذكرى وكل أشيائهم، ويمضون.
يفعلون ذلك بألم ولكن دون عواصف أو اختراع أسباب تعمق الخراب.. هم يقولون لو أن الحياة كانت محتملة فكل شيء مغتفر.. لكن القضية أبعد من ذلك.
ويسلمون القضايا لمحامين لاقتسام وإنهاء كل شيء، ويعودون للفضاء الذي جاؤوا منه.
اللافت أن المشترك بينهم جميعاً هو اللجوء للأصدقاء، والعودة إليهم، والبحث عنهم، وليس عن الأهل، فهل أصبح الأهل أيضاً ملامة؟ وهل للأهل دور منذ البدء في هذا التصدع؟
واللافت أيضاً هو الشجاعة التي يتحلى بها الكل، ومحاولة العودة إلى مفترق طرق «الممكنات»، ولكن هل لأن الحياة وأحكام الآخرين في مجتمعاتهم أقل سطوة.. أم أنها الشجاعة..؟
السيد «بول» الذي يعاني ألماً في الظهر، عجز كل الأطباء عن اكتشافه وعلاجه، يكتشف أخيراً أن سبب ذلك الألم هو المعضلات المُرحّلة في حياته، التي لم تحل حتى تراكمت وتحولت إلى وجع جسدي، عجز عن علاجه الأطباء.. وأن عليه ليسترد صحته وسعادته جرد كل المكدرات ومحاولة تسويتها، لكنه يعترف أن الوقت أصبح متأخراً جداً على بعض هذه الحسرات، حتى وإن كان البعض ممكناً على الإصلاح فليس هناك من تقادم لحرماننا، وما الذي يمنع من البحث عن صديق قديم بعد عشرين عاماً والذهاب إليه؟ ومن قال إن السعادة وصفة سهلة؟
هل هي أزمة منتصف العمر؟ لا أظن. الأمر مختلف هنا، وربما هي أزمات كونية ووجودية؛ إذ الشعور بأن العمر غير كاف للحصول على كل شيء، وما من إيمان يعد بالعوض.
«إني أتعافى» أزمة الإنسان يحلم بكل شيء ثم ينتهي إلى اللاشيء.
- عمرو العامري