نحتفل كل عام باليوم الوطني للمملكة العربية السعودية؛ شكراً لله على آلائه الكثيرة ونعمه العظيمة، وأهمها نعمة الأمن التي حرم منها كثيرٌ من البلدان من حولنا، وهي نعمة تستوجب الشكر والامتنان، وتقتضي العمل الجاد للحفاظ عليها، وأهم مظاهر جدية هذا العمل إنما تتمثل في شكر المُنعِم حقَّ الشكر وأصدقه، بصدق الولاء لله ثم الوطن، وبصدق العمل المثمر نفعاً للمجتمع والوطن والأمة، بعيداً عن المظاهر الفارغة، والتجاوزات المؤذية، ولتصبح إطلالة (برج الميزان) موعداً للتذكير بالشكر لله على هذه النعمة، وموعداً متجدداً لاستحضار نعمة الله على هذه البلاد التي نفخر بالانتماء لها بما تتميز به عن غيرها من خصوصيات ثلاث؛ بخصوصيتها المكانية، بما فيها من مقدسات المسلمين التي لا يكمل إسلام أي مسلم إلا بالتوجه لها، فلا يصح إسلام مسلم لم يتوجه في قبلته إلى الكعبة بمكة المكرمة في اليوم والليلة خمس مرات على الأقل برغبة وخشوع، وبخصوصيتها الزمانية التي تفرض على كل مسلم أن يقوم في موسم الحج بزيارتها لأداء مناسك هذا الركن العظيم من أركان الإسلام في موعده الزمني المحدد، إضافة إلى مواسم العمرة والزيارة طوال العام، وبخصوصيتها التاريخية، حيث أسست الدولة السعودية على أساس ديني ولا تزال تضطلع بمسؤوليتها الدينية في العالم الإسلامي إلى اليوم بأمانة وصدق وبذل. نحتفل بيومنا الوطني؛ لأن الانتماء من أعظم القيم الإنسانية النبيلة، وفي هذا العصر حيث طغت المادة طغياناً كبيراً فأصابت أعاصيرها كل شيء بما في ذلك قيم الإنسان، بما لم تتعرض له في العصور الأولى؛ كان لابد من تنشيط هذا الانتماء، وإزالة ما يعلق به من شوائب الركض المدي وتسلط أدواته ومغرياته، فكان الاحتفال باليوم الوطني ضرورة تربوية يفيء إليها العقلاء لحفز نوازع الإنسان وتنشيط مداركه إلى المعاني النبيلة والمقاصد الإنسانية لهذا اليوم الوطني الذي أصبح عنوان تأسيس ووحدة وطن يرفل بفضل الله عز وجل في حلل الأمن.
والجهات الحكومية من وزارات ومؤسسات وهيئات لا تفعل أي شيء لتعزيز القيم الوطنية سوى ما يقرره النظام من إجازة رسمية في هذا اليوم، وهو أمر عجيب جداً لا يناسب أهداف وقيم اليوم الوطني بأية صفة، وكان الأولى أن تُلزم الجهات الحكومية بتخصيص مقدار من الوقت لإبراز وتعزيز أواصر الانتماء والولاء وأهداف وقيم اليوم الوطني الشرعية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية ولو في أول يوم بعد إجازته، فهل من سامع؟
وهيئة البيعة مقصرة في هذا الجانب؛ لأن الهدف من اليوم الوطني هو تجديد الولاء والانتماء وهو أهم مقاصد وغايات البيعة، فكان المفترض أن تتولى هذه الهيئة تنسيق كل الأعمال المتعلقة باليوم الوطني سواء من الجهات الحكومية أو من غيرها بهدف إبراز قِيَم وغايات اليوم الوطني بصورة صحيحة ودقيقة ومثمرة، وربط المواطن ببيعته وتذكيره بمعطياتها وإنجازاتها.
وفي هذا المدار أقول: إن المفترض أن يكون احتفالنا بيومنا الوطني شاملاً بالوصف لا بالبقعة، بمعنى أن يكون مكان احتفالنا في البيوت والمراكز الحضارية والمدارس والجامعات ومؤسسات الدولة كافة، مادياً بالترفيه البريء، دون تجاوزات خاطئة أو ممارسات مذمومة، ومعنوياً وهو الأهم بتعزيز المعطيات الثقافية والمنجزات التاريخية للمؤسسة ورجاله، والمنجزات التي تحققت في عهود من جاء بعدهم.
هذا وبالله التوفيق.
ALSMARIIBRAHIM@HOTMAIL.COM
إبراهيم بن عبدالله السماري - عضو مجلس أمناء جائزة ماضي الهاجري للتميز - عضو الجمعية السعودية للدراسات الدعوية