د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي ">
لا يخفى على منصفٍ مقدار ما بذلته المملكة وتبذله من جهود، وما تسخره من إمكانات في خدمة ضيوف الرحمن؛ مشروعات يندر مثيلها، وطاقات كفؤة، ونظم تعمل على ضبط تحرك كتل بشرية هائلة، ضمن زمان ومكان محددين.
كل ذلك تيسر - بفضل الله - والمرء ما زال تقرع سمعه حوادث مؤلمة في زمن أداء المناسك!
لا ريب أن ثمة نقصًا رئيسًا إذاً في منظومة إنجاح هذا الموسم المبارك.
وقد يتأمل المرء في النص من قوله تعالى {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (البقرة 197)، لِمَ نهى اللهُ العازمَ على الحج عن هذا السلوك، قبل تفصيل أداء المناسك له؟!
لم ينهه سبحانه عن الأفعال بل عن مقدماتها؛ فالرفث - ولو بالكلام - مقدمة للجماع، والفسوق - ولو باصطياد حيوان - مقدمة لسائر المعاصي، والجدال - ولو باختلاف رأي - مقدمة للتخاصم وما بعده، لكن كم من حاجٍّ أو معتمرٍ آذى نفسه وغيره؛ فأفسد نسكه بجماع، أو متَّع ناظريه بما لا يحل له، فأنقص أجر حجه وآذى إخوانه بأعراضهم، وكم منهم استمرأ سرقة أو غصبًا فعرَّض نفسه للعقوبة وآذى إخوانه بأكل مالهم، ثم كم منهم تمنى لو لم يكن في حج ليقاتل مخالفًا له في مذهب أو بلد!
إنه الله العليم الحكيم؛ عليم بأحوال عباده، حكيم بتشريع ما يُصلحهم، وقد أقبلوا عليه من أجناس مختلفة، وأطباع متفاوتة، وعادات متنوعة، أَتَوا مغتربين مفارقين لأهلهم وأوطانهم وخلانهم، حتى باتت نفوسهم متحسسة تنفر من أقل استفزاز، وصار سلوكهم مائلاً - غالبًا - إلى ما لا يرضون لأنفسهم في غير هذه الحال.
هذا هو الواقع، لكن المأمول المفترض أنهم قصدوا بيت ربهم، وعمروا مسجده الحرام، وعظموا حرماته، ثم إن كل دولة أذنت لحجاج من مواطنيها كان المأمول بها والمفترض منها العمد إلى تثقيفهم - فضلا عن تعريفهم بالأنساك - بأهمية التعامل الإسلامي الراقي مع سائر الحجاج، مع تنظيمها الحملات، ثم ضرورة التزام تلك الحملات بكافة النظم والقوانين التي سنها البلد المضيف، وللإنصاف نقول: إن بعض تلك الدول تلتزم - بدرجة كبيرة - بذلك كلَّه.
أخي الحاج: ليس من التقوى في شيء أن تحرص على الرجم مثلًا بعد الزوال، ثم تدهس برجليك نساءً وشيوخاً وأطفالاً، وليس منها في شيء أن تطوف بالبيت ملاصقًا له مزاحمًا مضاربًا لإخوانك الحجاج، بل إن التقوى التي أتيت محققًا لها إنما تكون بالحرص المطلق على سلامة أخيك المسلم؛ بعدم أذيته، مع حسن التعامل له والعون، فضلاً عن التزام القوانين التي تحفظك وتحفظه، بل بالتعاون مع الجهات الموكلة بتطبيقها.
هذا التكامل في الجهود يفضي إلى قبول الحج - إن شاء الله - ويفوت على إبليس وجنده إفساده، كما يُبرز به المسلمون التراحم فيما بينهم، والوجه الإِنساني لرسالتهم، وسموَّ حضارتهم، ويفوزوا بموعود نبيهم - صلى الله عليه وسلَّم - في قوله: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) (الشيخان).
فهل يرضى مسلم - فضلاً عن حاج - أن يخسر وأُمتُه هذا كلَّه؟
الرئيس التنفيذي - شركة بيت الرياض