د. فهد صالح عبدالله السلطان
قلة هم أولئك الذين يختلفون على أن تنويع القاعدة الاقتصادية ضرورة لا خيار وأنها هي الأساس في التنمية الاقتصادية المستدامة المتوازنة وفي خلق فرص عمل وتوظيف الشباب وفي تحقيق مجتمع الرفاه. وقد أدركت ذلك الأمم والشعوب منذ القدم وسعت إلى إيجاد قاعدة اقتصادية تكفل
تحقيق قدرًا متوازنًا ومستدامًا من الدخل الوطني اللازم لاستمرار نموها وتقدمها.
دول الخليج والمملكة كجزء من العالم المتحضر هي الأخرى تعنى بالتركيز على هذا الاتجاه، أعني تنويع القاعدة الاقتصادية وهو موضوع أخذ نصيبه من الطرح والتحليل من قبل الاقتصاديين وصناع القرار في المملكة.
التحدي الأكبر بالنسبة لنا في المملكة الآن هو أنه على الرغم من الجهود التي بذلت منذ السبعينيات الميلادية في اتجاه تنويع القاعدة الاقتصادية إلا أن دخل النفط ما زال يمثل نصيب الأسد من الدخل الوطني (ما بين 80-92 في المائة) وهذا بلا شك تحد وطني يحسن بنا أن نضعه في قائمة اهتماماتنا. وخصوصًا أن التاريخ أكَّد لنا مخاطر الاعتماد على الاقتصاد أحادي الدخل في تمويل برامج التنمية الوطنية. الذي يبدو لي أن هذا التحدي وإن كان قاسيًا بالنسبة لدول الخليج العربي بسبب محدودية البدائل إلا أنه بالنسبة لنا في المملكة أخف وطأة نظرًا لتوفر عدة عوامل في ظل اتساع الرقعة المساحية وتنوع طبوغرافية وجغرافية المناطق والأقاليم وتنوع مكوناتها وإمكاناتها ومقدراتها أوما يسميه الاقتصاديون بالميز النسبية.
لا شك أن الاعتماد على الاقتصاد الخلاق والاستثمار في الجانب البشري هدف أساس لتحقيق تنمية متوازنة مستدامة وأن الاقتصاد المستقبلي يعتمد على الفكر والإبداع كما تنبأ بذلك وينستون تشرشل منذ سبعين سنة وكما تؤكده الوقائع الاقتصادية الحالية، ولكن ستظل الميز النسبية والمكونات الطبيعية فيصلاً في دعم الإنتاج وفي خلق فرص عمل وفي تحريك عجلة الاقتصاد الإنتاجي.
لدينا في المملكة أربعة عشر إقليمًا أو منطقة إدارية تتوفر في كل منها خصائص ومقدرات اقتصادية تمثل ميزة نسبية ويمكن أن تسهم في توظيف القوى العاملة وخلق فرص عمل وتنويع القاعدة الاقتصادية إذا ما استثمرت بشكل جيد. قلما تجد بلدًا آخر يتميز بهذا التنوع الجغرافي والطبوغرافي والبيئي والهيكلي مثلما تتميز به المملكة ولله الحمد. فهناك الأقاليم التي تضم المقدسات والمشاعر الدينية التي تستقبل ملايين الزوار وهناك الأقاليم الزراعية التي تتوفر فيها خاصية الزراعة والصناعات القائمة عليها وهناك المناطق السياحية التي يمكن أن تكون بيئة عمل جيدة للتوظيف وهناك المناطق الصناعية التي يمكن أن تكون بيئة صناعية جاذبة للتصنيع بما يتوفر فيها من موارد طبيعية ومواقع جغرافية. هذا التنوع الاقتصادي والجغرافي يمثل مصدرًا حيويًا لتنويع الدخل والمساهمة في توظيف القوى البشرية وتخفيف مخاطر الاعتماد على النفط.
وحتى نتمكن من استثمار هذه الخصائص الاقتصادية الإقليمية الاستثمار الأمثل فإن الأمر يتطلب إيجاد كيانات محلية إقليمية لبحث تلك الميز النسبية والخصائص الاقتصادية لكل إقليم واقتراح الآليات المناسبة لاستثمارها وتوظيفها التوظيف الأمثل، فكما يقال أهل مكة أدرى بشعابها.
ونظرًا لفاعلية مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية فقد يكون من المناسب أن ينظر في تكوين لجان (فرق عمل) إقليمية اقتصادية تتولى مهمة دراسة الميز النسبية الاقتصادية للإقليم وفرص الاستثمار فيه والآلية العملية لتفعيلها وسبل توظيفها والرفع بذلك للمجلس الاقتصادي ليتم اتخاذ قرار عملي إستراتيجي بذلك.
في تقديري أن هذا من شأنه أن يعزز مساهمة المناطق في تنمية الاقتصاد الوطني وخلق فرص عمل للشباب فيها وتخفيف الاعتماد على عوائد النفط وتخفيف العبء على مناطق التمركز الرئيسة.
والله الهادي إلى سواء السبيل..