وسائل التواصل الاجتماعي أفسدت العلاقات الأسرية نتيجة الاستعمال الخاطئ لها ">
الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
نبّه رئيس محكمة الاستئناف بمنطقة الرياض، فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن صالح الحميد، إلى خطورة إفساد العلاقات الأسرية التي تعدَّدت وسائلها، وكثرت أسبابها من بعض بني البشر في المجتمع الإسلامي، الذين ابتُلوا بداء التخبيب وتخريب البيوت، على الرغم من حرص الإسلام على تكوين الأسرة الصالحة، من خلال الحث على الزواج، والترغيب فيه؛ إذ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ واحدة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}، وقال تعالى: {وَأَنكِحُوا الْأيامى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ }، وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِه أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أنفسكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}،
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج» رواه البخاري، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثة حق على الله عونهم»، وعدّ منهم «الناكح الذي يريد العفاف» رواه الترمذي.
وأشار الحميد إلى أنّه من خلال هذه النصوص نجد أن الإسلام حرص على بناء الأسرة كما حرص أيضاً على تماسكها وسلامتها، وأن يقوم الزوج بما عليه من حقوق.. قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ }، وقال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ...}، وقال ـ عليه السلام ـ: «استوصوا بالنساء خيراً. لا يكرمهن إلا كريم ولا يهينهن إلا لئيم»، وكان ـ عليه الصلاة والسلام، وهو القدوة والأسوة - مثالاً رفيعاً في التعامل الأسري، والإحسان إلى النساء، وهكذا كل من تخلّق بأخلاقه، وتأدب بآدابه، وتربّى على الكتاب والسنة فإنّه يحرص على أسرته، وعلى تماسكها، وعلى إشاعة الطمأنينة بداخلها. وهذا كلّه ينعكس على التماسك الأسري الذي ينشده الإسلام، وينعكس أيضاً على تخريج جيل صالح يكون نواة في المستقبل لبناء أسري سليم، ونواة لأعضاء فاعلين في المجتمع. ولأن بناء الأسرة الصالحة مطلب إسلامي كبير، بل من الأهداف العليا للإسلام، فإنه في نفس الوقت حذر من أي خلل ينتج منه إفساد الأسرة، كما جاء الوعيد الشديد لمن سعى إفساد الأسر، وأن ذلك ضربٌ من ضروب الإفساد في الأرض.
وذكّر الأولياء بدور المسؤولية، وأنها أمانة «كلّكم راعٍ، وكلّكم مسؤول عن رعيّته»، وحمى سياج الأسرة أن يتعرض لها مفترٍ بكلامٍ بذيء أو غيره، وجعل حد القذف ثمانين جلدة، وجعل قذف الغافلات المحصنات من الموبقات. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا قُوا أنفسكُمْ وَأهليكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}.
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: «وقايتهم أمرهم بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم».
وفنّد الشيخ الحميد أسباب فساد العلاقات الأسرية إلى أمور عدّة على النحو الآتي:
أولاً: الغيبة والنميمة، وهذه لها طرقها العديدة، إما بالهاتف أو الكتابة أو النقل المباشر.
ثانياً: عدم قيام الولي بواجباته الأسرية، وغيابه الكثير عن المنزل، وعدم متابعته أمور أسرته.
ثانياً: إهمال المرأة لمسؤوليتها، وتساهلها في حقوق زوجها وأولادها، وخروجها المتكرر من البيت بمناسبة وغير مناسبة.
رابعاً: إضاعة كثير من الأوقات بالاتصال في الهاتف بسبب وغير سبب.
خامساً: وجود البطالة الحقيقية والمفتعلة لرب الأسرة أو لأحد أفرادها سبب مباشر لفساد الأسرة وتفككها؛ فالفقر ما دخل بلداً إلا والكفر معه.
سادساً: عدم التثبُّت مما ينقل من أخبار، سواء فيما يتصل بالزوج أو الزوجة. فقد ينقل شخص أو غيره خبراً عنهما فيُدخل الخلاف والشقاق بسبب ذلك، وينتج منه الطلاق، وكل ذلك بسبب عدم التثبُّت. وقد أمر الله بأن نتثبّت في الأخبار، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَة فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.
سابعاً: للإعلام والاتصال دور أيضاً في إفساد العلاقات الأسرية، سواء كان ذلك عبر الفضائيات أو وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. وكم حصلت من ماسٍ بسبب ذلك، وهو ناتج من الاستعمال الخاطئ لهذه الوسائل الحديثة.
مشيراً إلى أنّ علاج هذه الأسباب جميعها يكون بوجود التوعية المكثّفة لأفراد المجتمع، وتثقيف الأزواج والزوجات، وعقد دورات حواريّة لكيفيّة إقامة الأسرة الصالحة، والتحذير من استخدام مستجدات العصر فيما يضر، وقبل ذلك وبعده العودة الصادقة لمنهج الإسلام المبني على خوف الله، ومراقبته في السر والعلن.. فتقوى الله هي طريق الإخلاص من كل شر.