التساهل بالغيبة
* بخصوص الغِيبة والتساهل فيها، وأنها سهلة، وتجري على الألسنة بما حرم الله جل وعلا، بماذا تنصحون إخوانكم؟
- لا شك أن الغِيبة أمر قبيح، وأمر شنيع؛ لأن الله - جل وعلا - شبهها بمن يأكل لحم أخيه ميتًا. وهل هناك أشد من هذا؟
لحم آدمي، وأخيه، وميت، كل هذه الأمور إنما ذُكرت؛ لتشنيع ذكر بشاعة هذا الأمر. والأصل في المسلم أن يكون سليم الصدر، يُحب لهم ما يحب لنفسه. والأصل فيهم أن يحسنوا الظن بهم. وأهل العلم بالنسبة لمِا يُصْلِح ويُؤلّف بين القلوب أجازوا فيه الكذب؛ لأن الكذب في مواطن الصلح أَجَازه أهل العلم لائتلاف القلوب واجتماعها، وفيما يُفسد حَرَّمَ الصدق؛ لأن النميمة وهي نقل الكلام، وإن كان صدر من قائله، فقد نقله على جهة الإفساد، فهو نقل صادق، لكنه بصدد أن يُفرّق ويوجد النفرة بين الناس، فجاء الشرع بتحريم النميمة.
***
كفارة الغيبة
* هل للغيبة كفارة؟
- الغِيبة ذكرك أخاك بما يكره. والغيبة مُحرَّمة بالكتاب والسنة وباتفاق أهل العلم. وكفارتها أن تذهب لمن اغتبته وتستحلّه عن وقوعك في عِرضه. هذا إذا لم يترتب على ذلك مفسدة أشد وأعظم. فإن ترتب على ذلك مفسدة فيُرجى أن يعفو الله عنك إذا دعوت لمن اغتبته، وأكثرت من ذكر محاسنه في المواطن التي اغتبته فيها درءًا للمفسدة؛ لأن بعض الناس لا يتحمل مثل هذه الأمور، وبعض الناس سَهْل، يمكن أن يبيحك عما فعلت بسهولة. فإذا كان من هذا النوع فإنك لا بد أن تذكر له أنك اغتبته، وتطلب منه أن يسامحك عما وقعت بعِرضه. وإذا كان من النوع الثاني لا يقبل هذا الأمر؛ ويترتب عليه قطيعة، ويترتب عليه هجران، وقد يترتب بعض المفاسد التي لا تحمد عقباها، فمثل هذا يُكتفى بالدعاء له ونشر محاسنه في المجالس والمجامع التي اغتبته فيها.
جاء عن بعض السلف أنه ألزم نفسه كلما اغتاب شخصًا تصدّق بدرهم، فهانت عليه الغِيبة. لا يُدرى من أين أخذ هذا الحكم، إنما هو مجرد إلزام نفسه ليترك الغِيبة، وإلا هذا ليس بكفارة، هذا حق مخلوق، لا يكفي فيه مثل هذه الصدقة. وقال: فهانت عليه الصدقة؛ فعاهد نفسه مرة ثانية كلما اغتاب شخصًا أن يصوم يومًا فترك الغِيبة. هذا ليس له أصل إلا أنه من باب أنه يلزم نفسه ألا يتساهل في الغِيبة، وليس هذا بكفارة.
عبدالكريم بن عبدالله الخضير - عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء