د. عبدالواحد الحميد
منتهى الجرأة أن ينتحل أحد الأشخاص شخصية رجل أمن ويعتدي على الناس ويسلبهم ممتلكاتهم أو يحتجزهم لغرض في نفسه!
هذه الجريمة تكررت أكثر من مرة، ولحسن الحظ فإن الأجهزة الأمنية ألقت القبض على العديد من منتحلي شخصيات رجال الأمن، وكان آخرها ما نُشر في الصحافة المحلية مؤخراً.
يتوقع الإنسان أن يحدث ذلك في فيلم سينمائي حيث لا حدود لخيال الكاتب والمخرج وحيث تكون الإثارة والتشويق وجذب المشاهدين هي الهدف! أما أن يحدث مثل هذا في عالم الواقع فهو الأمر الغريب لأن الشخص الذي يرتكب الجرائم منتحلاً شخصية رجل أمن فهو يستخف بالخطر الكبير الذي يُلقي بنفسه فيه بمجرد الاقتراب من عالم أجهزة الأمن الذي من المفترض أن ترتعد له فرائص المجرمين!
فإن ينتحل الإنسان شخصية إنسان آخر ـ أياً كان ذلك الإنسان الآخر ـ فتلك جريمة بحد ذاتها، ولكن أن ينتحل شخصية رجل أمن فتلك جريمة مضاعفة لأنها تخدش هيبة الجهاز الأمني وتجعل الناس أقل ثقة به. ولنا أن نتخيل المفاسد التي يمكن، لا سمح الله، أن تحدث لو أن ثقة الناس في أجهزتهم الأمنية اهتزت.
ومن المؤكد أن من يتجرأ على انتحال شخصية رجل الأمن ويعكر صفو المجتمع هو إنسان عابث ومستهتر ولا يقيم وزناً للمجتمع ولا للحكومة، وبالتالي فهو ليس جديراً بالانتماء إلى هذا المجتمع، ومن حق المجتمع أن يطبق عليه أقسى العقوبات.
إن أي عاقل يدرك أن أمن المجتمع واستقراره هو الركيزة الأساسية للتنمية ولا يمكن لأي مجتمع أن يحقق أي قدر من التنمية والتطور في ظل غياب الأمن، بل إن الحياة نفسها تصبح مستحيلة في مجتمع يفتقر إلى الأمن، وهذا ما لاحظناه في المجتمعات التي تسودها القلاقل والاضطرابات وانعدام الأمن إلى الدرجة التي دفعت أعداداً كبيرة من مواطنيها إلى الهجرة بحثاً عن الملاذات الآمنة رغم افتقارها إلى ظروف الحياة الطبيعية.
ومعروف أن حياة الناس في أي مجتمع هي شراكة تربطهم جميعاً ولا يحق لأي فرد أن يمارس حرية السلوك والتصرف بما يسيء للآخرين ضمن تلك الشراكة، وبالتالي فإن من حقهم فض الشراكة معه، وهذا ما يتعهد به القانون حين يحكم على المجرم بالسجن وفك الناس من شروره أو حتى بالإعدام إذا ما تطلب الأمر ذلك.
نريد أن يبقى مجتمعنا آمناً في هذا البحر المتلاطم من الفتن والشرور التي تعج بها العديد من المجتمعات من حولنا، ويجب ألا نتساهل مع كل من يحاول أن يعكر صفو مجتمعنا وأمنه.