د. حمزة السالم
وصلني البارحة إعلان الصندوق العقاري المعلن على صفحته الرسمية. والاعلان على قدر صغر مساحته الا انه شمل كل التفاصيل- اذا افتُرضت المهنية في مهندسيه-، كما شمل الاشارات السوقية والنظامية، ولا ينقص الاعلان الا سعر الفائدة. والفائدة بالطبع لا يمكن وضعها نظراً لعدم ثباتها نسبيا واعتمادها على المفاوضات، واحتمالية اختلافها اختلافا طفيفا بين البنوك. ولكن الاعلان اعطى صورة تقريبية للفائدة التي ستظهر.
1 - بما أن الاعلان نص على ان موافقة البنك على التمويل يخضع للسياسات الائتمانية للبنك فهذا يوحي بأن الصندوق ليس ضامناً لعدم السداد. مما يوحي أن سياسة رهن الراتب -المُفسدة للاقتصاد- ستطبق على القرض المعجل. (وكونها مفسدة لانها ترفع عن البنك المشاركة في المخاطرة، فستعمل على عدم اكتراث البنك بمخاطرة فقاعة الاسعار، كما حدث في الاسهم).
2 - وبما ان الاعلان نص على وجود تأمين الحياة والعقار واجور الهيئات الشرعية، ( وجميعها كلفة تضاف على الفائدة).
3 - وبما أن الاعلان نص على ان التمويل سيكون تنافسيا ومشجعا، فعليه، فهامش الربح المتوقع سيكون حول 2% باسعار الفائدة الحالية.
وسأسرد الفجوات الاجتماعية ثم اتبعها بالحيثيات والنتائج. فبما أن هامش الربح لا اصل له في عالم التمويل لانه غير منطقي فلا يدخل في علم الحساب، فهو يختلف باختلاف السنوات، فأول الفجوات في أن هامش الربح 2% كلفته الحقيقية هي 3.815% في القرض لخمس سنوات و3.737% للعشر و3.64% لخمسة عشر عاماً. وهذا يعني انخفاض الفائدة مع زيادة المخاطرة الزمنية. وهذا لا يتفق مع حقيقة ان ارتفاع مخاطرة الاجل بالاضافة لارتفاع مخاطرة التعثر في حالة انخفاض الدخل، لانها شريحة اكبر احتمالية في تقلب الوظائف وتركها. وبما أن هذا لن تقبله البنوك، بافتراض المنطق المهني عندها، فإن الفائدة أو هامش الربح سيكون أقل على صاحب الدخل العالي وتكون اعلى على صاحب الدخل المنخفض.
والفجوة الثانية، ان مجموع الفوائد على تمويل لخمس سنين لمبلغ 500.000 هو 45.500 وسيكون 94.200 على العشر و137.300على الخمسة عشر. وهذا بافتراض استخدام طريقة التمويل الثابت استهلاكا لأصل رأس المال، كما هو منصوص عليه، ضمنيا في الإعلان، بتثبيت دفعة سداد اصل القرض.
الفجوة الثالثة: بما ان المواطن يسدد الفوائد على خمس سنوات بغض النظر عن حجمها، فهذا يعني ان القسط الشهري لذي الراتب المرتفع سيكون 758 وصاحب العشر سنوات 1570 شهريا وسيدفع ذو الراتب الضعيف 2.288 شهرياً. وصحيح أن القيمة الشرائية بعد خمسة عشر عاما ليست مثل بعد خمسة اعوام، ولكن هذا منطق لا يفهمه المجتمع بعد، ولن يفهمه قريبا. (فالقطاع العام والخاص والبنكي كلهم مشتركون في تجهيل المجتمع ماليا للحفاظ على انكشاف عورة ما يسمى بصيرفة افلاسمية، كالاصرار على هامش الربح) فخلاصة الفجوات الثلاثة انها تخلق الوهم في تفضيل الغني على الفقير، مما يستجلب التنظير الاشتراكي وارتفاع كراهية الفقير للغني، وزيادة الاحساس بالطبقية، ومن ثم فتح مدخل للمغرضين للتلاعب بالعواطف لنشر الشائعات وتحفيز التذمر، والثورات جميعا قامت حقيقة على تحفيز هذه النزعة.
وقد يقال ان الحل في جعل المدة موحدة لخمسة عشر عاماً، ثم من شاء ان يقلل المدة فهذا شأنه، ولكن هذا لا يخدم مصلحة الصندوق،والحل النموذجي هو الذي ينفع الاقتصاد الوطني بغض النظر عن الغني او الفقير او العام او الخاص، واثارة التذمر والقلاقل هي كلفة على الاقتصاد.
واما عن مصلحة الصندوق فهي مدى استفادته من سداد القرض، ففائدة تدور حول 3.7% فاني اعتقد انها قد تكون مناسبة كاستثمار آمن للصندوق، لذا فمن المتوقع ان يدفع الصندوق الفوائد مسبقاً، أي يدفع فوائد تمويل الخمسة اعوام مبلغ 25،400 بدلا من 48.500 ومبلغ 32،500 بدلا من 94.200 لسداد فوائد تمويل العشر ومبلغ 35.300 لفوائد خمسة عشر عاماً بدلاً من 138.000. وهنا تظهر مشكلة حل فتح باب خيار الخمسة عشر عاماً للجميع. سواء من ناحية العوائد او السيولة.
وهذه إحدى الفجوات الفنية في هندسة هذا التمويل، ولا أستطيع حصر الفجوات كلها لضيق المقال.
وأما الفجوات الاقتصادية والتسويقية فسأكتفي باثنتين منها فقط، للاشارة على مدى الخلل في هذا البرنامج. وتقوم على المعطيات التالية:
1 - ان الاعلان نص على امكانية حصول تمويل اضافي من البنك، فهذا التفاف رسمي على 30% الدفعة الاولى التي وضعتها المؤسسة لحماية البنوك، واستغنت عنها البنوك برهن الراتب.
2 - التسويق للبرنامج بالنص فيه على التشجيع لسرعة الاقتراض وتسبيب ذلك إلى وجود احتمالية ارتفاع اسعار الأراضي. فهذا إشارة واضحة انه قد تم صرف النظر عن مشروع ضريبة الأرض، وذلك لاستحالة ارتفاع العقار مع فرض الضريبة، وقد يُقال ان القصد هو التخفيف من انهيار العقار عند فرض الضرائب، الا انه يُستبعد ان تغش الجهة الرسمية المواطن فتورطه بالاسعار المرتفعة اليوم، وتعطي اشارات مضللة فتفقد مصداقيتها.
وفي مجموع دلالات الحيثيات التالية:
1 - الايحاء برهن الراتب وبالتالي عدم اكثراث البنوك بالفقاعة العقارية.
2 - والالتفاف الرسمي على الدفعة الاولى.
3 - والاشارة بالارتفاع القادم للعقار.
4 - وما يتضمنه من التوقف عن مشروع الضريبة، في مجموع دلالات ما سبق يظهر وكأنه هناك توجه رسمي لدعم ارتفاع اسعار الأراضي، أو أنه يُظهر عدم مهنية مستلمي ملف الاسكان بشكل عام من جميع الاطراف.
وهناك الكثير من الفجوات المهنية والكثير من نقاط الخلل الفنية في اول برنامج عقاري حكومي، بداية من تسميته بالقرض المعجل وهو يجر النفع للبنوك، إلى النموذج الطبقي المحفز للتذمر إلى الاشارات والتنظيمات المُفسدة لسوق العقار وسوق التمويلات، ولكن المقال لا يتسع. فالله المستعان.