عبد الرحمن بن محمد السدحان
« تعلمنا منذ الصغر أنّ (لو) من عمل الشيطان، ولذا، باتت مكروهةً إذا كانت تعني (التحفظَ) على حدَث قد قُضِي أمره.. وانتهى!
* * *
« أمّا (لو) المعنية في هذا الحديث، فإن لها معنىً جدُّ مختلف! فهي لا تعني (التنبُّؤَ) بشيء قد يكون أو الإنكار لشيءٍ قد كان، إنما هي (وسيلة) تأمل في بعضه زاد من الفكر وفي بعضه الآخر زاد من خيال!
* * *
« واستطراداً لهذا النسق من التأمل تُساورني أسئلة، أنتخبُ منها ما يلي:
سؤال:
ماذا (لو) كان للبشرّية لغةٌ واحدة.. ينطق بمفرداتها ناطقٌ في أقصى الشرق أو الغرب.. أو الشمال أو الجنوب فيتلقفها آخرٌ بالفهم في كل الاتجاهات! دون عناءٍ ولا غموضٍ ولا سوءِ فهم! هل كنا نحن معشر البشر سنشهد من المحن والانشقاقات والبلاء المترتب على ذلك كمثل ما نحن فيه اليوم!؟
* * *
« بمعنى آخر.. ماذا (لو) كان للبشرية قاموسٌ واحد، تتسَاوى فيه الحروفُ عدداً.. وتَتآلفُ فيه المفرداتُ معنىً وفهماً! هل كنا سنفلح في اختصار المسافات المعرفية والذهنية والظنيّة، فنقتربَ من بعضنا ألفةً ومحبةً وتقديراً؟!
* * *
« وبمعنى ثان.. كيف سيكون حال سُكَّان هذا الكوكب الأرضي! هل سيمسون أثْرى فهْماً.. وأقلَّ خُلفْاً وأكرمَ تعاوناً؟!
« أم هل سيكون إنسانُ هذا الكوكب أكثرَ إبداعاً بلسان واحد.. بحرف واحد! هل ستكون (أحاديةُ اللغة) حرفاً ومعنى أندى إثراءً للإبداع الثقافـي أم خنقاً له؟! لا أدري، وسيبقى هذا السؤال رهينة (لا أدري) حتى حين!
* * *
سؤال آخر:
« إلامَ سَيَؤُول حال إنسان هذا الكوكب وجبروت إنسانه، (لو) أفاقَ يوماً من سُباتِ الانبهار بآلية هذا العصر وآلته وإنجازاته، فوجدَ أن تسعةً وتسعين في المائة من شؤون حياته العامة وربما بعض شئونه الخاصة بات يُدارُ ويُصانُ بـ(الآلة) يأتمرُ بها ويُنهى، لا يملك لها تبديلاً.. ولا بديلاً؟!
* * *
« كيف ستكون (معادلة الوقت) في ضوء الفرضية الجديدة؟!
« أكادُ أجزمُ أنه سيزدادُ (رصيد) الإنسان من الفراغ، وسيُعاني من (فائض الوقت) ضمن (ميزانية) حياته، وسيفرز هذا الفائضُ (بدعاً جديدة) تقوم على أيجاد منظومة من صناعة (اللهو) بحثاً عن وسيلة لقهر الفراغ؟!
* * *
« أتوقف هنا.. لأنني أشكّ أن القارئ الكريم قد لا يكملُ قراءةَ هذا الحديث.. و(لو) فعل فقد تستفزّه الرغبةُ في وصف صاحبه بغلوَّ يقربه من شبهة المسّ! لكن دعوني أُنْهي هذا الحديث بالقول (إن من الخيال لسِحْراً يلامس أحياناً شفا الجنون)! ألمْ تكنْ إنجازاتُ الإنسان الحديث في بعض مجالات الطب والفضاء وتقنية الاتصال تمثيلاً لا حصراً، ضرباً من الخيال المفُزْع أو (الجنون) المبدع!!
* * *
« أرأيْتَ يا صديقي، (لو) أن أحداً حدَّثك قبل خمسين عاماً، إن كنتَ من المعمّرين سناً، بأن القمرَ البعيدَ.. سيستضيفُ يوماً إنساناً ليس بالشَّعر أو السحر أو الخيال، ولكن عَبْر آلةٍ من صنُع إنسان!! أكُنْتَ ستَصدَّقه؟! أم ستظن أنّ به مسَّاً؟!
« أم هل ساور إنسانَ الأمس ظنُّ في (التواصل) مع (الآخر) عبر جهاز صغير لا يتجاوز حجم كفه، (فيغزو) به وبسببه بالصوت والصورة والنصّ المكتوب المدن والقارات والبحار والقِفَارَ؟! وها هي الأمنية (السحر) قد تحققت اليوم عبر جهاز (الجوال)، والله وحده أعلم ماذا سيبدعه إنسان القرن القادم في هذا السياق؟!
* * *
وبعد..،
« فما نحسَبُه اليوم مستحيلاً.. قد لا يبقىَ الزمن كله مستحيلاً عدا الأمورَ التي قد قدر ربُّ العالمين أن تبقى كذلك!!