بسمة بنت عبدالعزيز حلمي ">
كثير ممن يقرأ العنوان وضع في مخيلته بعض الصور السابقة من واقعه، ورسم فكرة معينة على قد ما يحتويه المقال فلكم حرية ذلك.
بدأت قصة أطفالنا منذ زمن بعيد مع قلة أعداد الأجهزة الإلكترونية ومحدودية الألعاب المرتبطة بها ويمكن أن أطلق عليه زمن (اللعب البريء) الذي اقتصر في وقتها اللعب على الانتقال من مرحلة لأخرى بهدف البناء والتعمير، التركيب والتلوين، التفكير والإبداع في التطوير، كانت الألعاب حينها تحاكي العمر العقلي للطفل وتنقله بين التفكير بطريقة توليد الأفكار إلى طرق حل المشكلات واسترجاع المعلومات بأسس إدراكية معينة، ومع مرور الوقت تطورت الأجهزة الإلكترونية فازداد عددها وتوسعت الألعاب المرتبطة بها، فبدأت بتسلسل تكتيكي معين بدءاً من ألعاب السرعة والإثارة مثل سباق السيارات ثم الصراع بين الحيوانات والفائز من يوقع خسائر بالطرف الآخر، إلى أن وصل بهم الآن ومع تزايد سرعة العصر إلى ألعاب بشرية عنيفة تميزت برسم المخططات وكشف المغالطات والوصول للهدف والبقاء عليه دون تبرير للوسيلة مثل الألعاب الحربية والعسكرية، ألعاب التدمير والقتل، السرقة والنهب، فانتقلنا من اللعب بين الحيوانات إلى اللعب بين البشرية وبطريقة سلبية.
لم يقف الأمر على نوعية الألعاب فقط ولكن توسع أيضاً بما يرتبط معه بفكرة الزمان والمكان، ففي الماضي كان اللعب يقتصر على لعب الطفل المحصور مع أقرانه في وقت محدد وأمام ناظر أسرته، تبعا للالتزامات العائلية والقوانين المنزلية والتربوية التي كان تحيط بالطفل، إلى أن ظهر في زمن ليس بالبعيد ما يسمى لعب (الاون لاين) فتغير الشكل الصوري للعب فأصبح يأخذ طابع اللعب المفتوح بأي زمان ومكان مع أشخاص أعدادهم كبيرة وأفكارهم وتوجهاتهم مجهولة، تعمل على غزو تفكيرهم والسيطرة عليهم من مبدأ الإثارة واستنزاف أوقاتهم وغسل لعقولهم وترسيخ فكرة إباحية العنف مترافقة مع غياب القوانين التربوية وغياب الدور الرقابي الوالدية داخل الأسرة وخارجها.
حتى وصلنا إلى الكارثة الكبرى وهي استغلال الظروف السياسية للعبث بعقول ونفسية أطفالنا وشبابنا، فانتشرت الألعاب المباشرة الصوتية المحرضة على قتل القريب قبل الغريب حتى أصبحت عبارة عن اجتماعات دورية ومخفية، مستغلين بذلك تدني مستوى العلاقات الأسرية ومستوى التعليم والتوجه الديني والفكري لأطفالنا وشبابنا، فيربطونه بمكسب الفوز بالجنة والوصول للقمة، إضافة إلى قدرتهم على إشباع الاحتياجات الفطرية لدى الأطفال والشباب من حب الاهتمام وسعادة الشعور بالإثارة والإنجاز.
وصولا إلى هذه النقطة من المقال قد تكون الرؤية وضحت للجميع وفتحت نوافذ كانت مغلقة أو قد نكون أغلقناها خوفا من ما قد يواجهنا منها، لكن دورنا هنا يكمن في مواجهة ما يأتينا من هذه النوافذ حتى نستطيع أن نحيا مع أبنائنا حياة آمنة وسعيدة.. ويبقى السؤال كيف لنا ذلك؟
لا ننكر أهمية تفعيل دور الجهات المعنية الرقابية والتربوية والتعليمية للحد من تأثير هذه المشكلة ولكن ما هو دورنا نحن كأسر حاضنة للطفل؟
أترك لي الإجابة المختصرة الوافية واترك لكم الإبحار البحث في تفاصيلها:
1 - بناء علاقة جيدة مع الأبناء فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ آل عمران (159).
2 - محاورتهم ومناقشتهم وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر آل عمران (159).
3 - مشاركتهم في اللعب والإجابة عن تساؤلاتهم بمصداقية ووضوح قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأمنا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قال إني لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ يوسف (11 - 13).
4 - مساعدتهم على التعلم وتنمية الوعي اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسان مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ العلق (1 - 5).
5 - معاونتهم لاستغلال وقتهم بشكل صحيح {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسان لَفِي خُسْرٍ} العصر (1 - 3).
6 - كن قدوة حقيقية وايجابية لهم يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أمنوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ الصف (2 - 3).
ولا ننسى أهمية الدور الرقابي والحكمة الوالدية في توجيه الأبناء لاختيار نوعية الألعاب المناسبة لهم، أتمنى ان أكون قد وفقت في إيصال الرسالة بشكل واضح، ولا ننسى قول رسولَ الله - صلى الله عليه وسلَّم - (أَحْسَنُ الحَدِيْثِ كِتَابُ الله وخَيْرُ الهَدْي هَدْيُ محمَّد - صلى الله عليه وسلَّم -).