غادة أحمد الشريف ">
لاشكَّ أنَّه ومهما تنوَّعت الأساليبُ وتعددتِ التَّوجُّهاتُ في الوسط الإعلاميِّ؛ يبقى لكلِّ أسلوبٍ مكانتَه وما يتميز به من خصائصَ؛ فالإعلامُ أشبهُ بكائنٍ حيٍّ، من حقِّه أنْ ينمو، يزدهرَ ويتطور، والإعلام دون تاريخ أو تأسيس ينطلق منه ويستندُ إليه؛ إعلامٌ لا رقيَّ فيه، وحتى يكونَ الإعلام الجديد هادفاً ومتميزاً علينا أن نعترف بقيمة الدُّور الإنساني، الأخلاقي، والاجتماعي الخدمي، الكبير والفعَّال، وبالجهود الجبَّارة المُضنية التي بُذلت عبر سنين إعلامية طويلة؛ ألقيَتْ خلالهَا مسؤولياتٍ جسيمةً على عاتق جيل جليل من رَّواد الصحافة والإعلام؛ أخلصوا للحقيقة وصنعوا الطريقة وكان لِزاماً علينا التَّعلُّمَ من خبراتهم وتلمُّسَ مِهَنيَّتَهم.
ومهما يكنْ من أمر، فإنَّ لكلٍّ من التوجُّهين في الإعلام إيجابياتُه وسلبياته، والموضوعية هنا، تقتضي ألا نبرِز أحدُهُما على حساب الآخر، ولا نهمِل الإعلام الورقيَّ، وننجرف بلا وعي منَّا نحو ما هو جديد؛ فقط لأنه جديد؛ ولا أنْ نتمسَّك بالقديم دون رغبة منَّا بأي تطوير، صحيحٌ أنَّ لكل عصر أدواتُه ولكلِّ أوان احتياجاته، ولكنَّ الفارق هنا يبقى في قيمة الهدف والرسالة الإعلامية، وعلى قدَر حجم الجهود المبذولة في العمل الصحفي، وصولاً إلى الحقيقة بغية توخي المصداقية؛ وهذا ما يتفوَّق به الإعلام الورقيُّ على الرَّقْمي، لأنَّ هذا الأخير بأدواته الحديثة وأساليبه التكنولوجية التي تحاكي التطوُّر التقني المعاصر؛ هو مجال واسع يفتح الباب على مصراعيه لكل متطفِّلٍ مدعٍ محسوب على الإعلام؛ لمجرد أنه امتلك الأداة الرقْميَّة، ينشرُ خبراً هنا، أو يكتب نصّاً هناك قد عجَّ وضجَّ بالأخطاء، علماً بأنه لم يكن إعلامياً هنا ولا كاتباً هناك، مستفيداً بذلك من الإتاحة اللا محدودة لتقنية الصوت والصورة؛ وكلُّ هذا تحت مسمى (الإعلام الرَّقمي) ولأنَّ لكلِّ قاعدة استثناء، لا ينبغي لنا التعميمُ هنا، بل يجب علينا أن نقِرَّ للإعلام الرَّقمي، بأنَّه الأسرع وصولاً والأوسع انتشاراً والأكثر تنوعاً بتعدد أدواته ووسائله؛ ولكنْ، بلا مصداقية أو احترافية أو أخلاقيات -إلا ما رحم ربي- أمَّا الإعلام الورقيُّ صاحب الرِّيادة في المِصداقية والاحترافية والرسالة الأخلاقية؛ التوعوية والتثقيفية معاً، فهو الإعلام الموثق والآمن، لأنه الأكثر حرصاً على خدمة القارئ بعدم خداعه، أمَّا الإعلام الرَّقْميُّ فعلى العكس من ذلك.
ولعلَّ مواقعَ التواصل الاجتماعية الشهيرة، على الشبكة العنكبوتية، هي الأطول باعاً في الإعلام الرقمي، نظراً لتنوعها وتعدُّدها، ولكنَّا في مُجمَلِها لا تمثِّل إعلاماً بالمعنى الاحترافي والمهني للكلمة؛ لأنَّها مجرد أدوات للتواصل بين المجتمعات؛ لا تملِك لها ضوابطَ ولا تعترفُ بأخلاقيات، والإعلام الهادف مهما كان نوعه وآليته، ليس مجرد أدوات ووسائل بلا توجُّه ودون احتراف؛ غيرَ أنَّه بالإمكان ومع الوقت، وضع أسُسٍ وآليات بخبرات وكفاءات حقيقية؛ لمثل هذا الإعلام الجديد، الذي يفرض نفسَه على الساحة الإعلامية وبقوة مُتزايدةٍ.
إنَّ الجدير بالذِكر حقاً ، أنَّ ما طرأ على الإعلام الغربي من تغييرٍ، يُلغي الورقيَّ المطبوع، ويعتمدُ اعتماداً كلياً على النت ومواقعه المختلفة، بفعل الغزو التكنولوجي وما أفرزه من إعلام رقْميٍّ مفتوح، لَيَتناسَبُ وأخلاقيات تلك المجتمعات المنفتحة أولاً وأخيراً، والأهمُّ من ذلك أنَّ الإعلام الورقيَّ، يفسحُ المجال الأكبرَ أمام الإعلاميِّ، ليكون إعلامياً احترافياً بجدارة، دون أن يحرمَه من اكتساب مهارات التكنولوجيا الرقمية، لأنَّ الورقيَّ يستخدمُها ولكن لا يعتمد عليها اعتماداً كلياً، أمَّا الإعلامُ الرقميُّ، فلا يتيحُ اكتسابَ الخبرةِ الإعلامية الاحترافية والمهنية في الصحافة والإعلام؛ بقدرما يعزِّزُ اكتسابَ الخبرة بالأجهزة الرَّقْميَّة، لأنَّه يتطلبُها بقوة، فما هيَ رسالة الإعلام الرَّقميِّ تحديداً، وما هيَ ثقافتُه؟!.