محمد آل الشيخ
بعض المحللين يميلون إلى القول إن الرئيس الروسي بوتين وقع في الفخ، الذي نصبه له الغربيون وعلى رأسهم الأمريكيون، و وحّد تدخله في سوريا فصائل المقاومة في وجه الإيرانيين ومن جندوه من مرتزقة الشيعة، وميليشيا حزب الله، والبقية الباقية من قوات النظام. وسوف يعض الرئيس الروسي مستقبلا أصابع الندم.
في تقديري ان تدخل الروس لإنقاذ نظام الأسد من الانهيار يعني أنهم كانوا يأملون أن النظام إذا آزرته إيران ومن جندوه من المقاتلين الشيعة إضافة إلى ميليشيات حزب الله اللبناني سيكون قادرا على الصمود ومقاومة الثوار، غير أن الرياح جرت على غير ما يشتهون، وتقدمت فصائل الثوار، وتحديدا الثوار المتأسلمين، وأصبحوا على مقربة من دمشق، وفشل الإيرانيون ومن جندوه معهم فشلا ذريعا في الصمود والتصدي لهم، فوجد الروس أنفسهم بين خيارين أحلاهما مرّ : إما أنهم يتدخلون أو سوف يسقط النظام , وتسقط بسقوطه الدولة السورية.
ومهما يكن الأمر فإن دخول الروس إلى المستنقع السوري كانوا مضطرين له على ما يبدو، رغم ما يكتنف خطوة كهذه الخطوة من مخاطر وتداعيات، سيما في حالة امتدت فترة الحرب ولم تحسم لمدة طويلة نسبيا، الأمر الذي يجعل الحرب تستنزف الخزينة الروسية، وتنهك الاقتصاد الروسي، خاصة وأن النفط مصدر تمويل اقتصاد روسيا الأول تشهد أسعاره تدهورا كبيرا، أضف إلى ذلك أن روسيا تعاني من حصار أوروبي وأمريكي، بسبب تدخلها في أو كرانيا. إلا أن تدخلهم في سوريا كان بسبب شعور عميق، كثيرا ما يردده المحللون الروس في القنوات الفضائية، مؤداه أن الساحة السورية فيما لو سقط النظام، وورثه الجهاديون الإرهابيون، ستصبح مصنعا يصدر الإرهاب، وهناك الآن آلاف من مسلمي روسيا يقاتلون في الحرب الأهلية السورية معظمهم متأسلمون، وفي حالة انهيار النظام سيرثه الإرهابيون كما تقول المؤشرات، لذلك ففي تقديري أن تدخلهم كان دافعه الرئيس ليس فقط إنقاذ نظام الأسد، وإنما أيضا أن يستبقوا ما قد تؤدي إليه مآلات سقوطه من تداعيات عليهم، ومن المعروف أن المسلمين هناك تصل أعدادهم إلى عشرين مليون نسمة وأغلبهم لديهم نزعة انفصالية، ويحلمون بالاستقلال عن روسيا. وهذا ما سينعكس سلبيا على الداخل الروسي فوجدوا ان تدارك الإرهاب في بداياته في سوريا، قبل أن يتضخم ويمتد ويصل إليهم، هو الدافع الاول الذي جعلهم يبادرون إلى التدخل، رغم المحاذير الخطيرة التي تكتنف قرارا كهذا القرار.
وأنا لا أعتقد أن الروس إذا نجحوا في سحق الإرهاب المتأسلم هناك، سيكررون خطأ الأمريكيين، ويسلمون سوريا إلى إيران كما فعلت أمريكا في العراق، ربما انهم في البداية سيتغاضون عن إيران وطموحاتها التوسعية في سوريا، لإغرائها بالتدخل على الأرض، والقضاء على الثوار، ولكنهم في تقديري حينما يأتي قطاف الانتصار فإن الأمر قطعا سيتخذ مسارا آخر وستفرض روسيا على ايران كلمتها وهذ ما سيحد من الطموحات التوسعية الايرانية في سوريا، خاصة وأن هناك عدد من التقارير التي تصدر من كواليس الأسد تؤكد أن ثمة تذمر من غطرسة الإيرانيين وعنجهيتهم في التعامل مع النظام هناك، ما يجعل تكرار تجربة العراق في سوريا مستبعدا، إضافة وأن الروس مدركين أن الإصرار على فرض الأسد ومعه نظام الملالي على السوريين، رغم جرائمه في حق شعبه، شبه مستحيل، إذا لم يكن مستحيلا بالفعل.
كل ما أريد أن أقوله هنا أن الروس يدركون تمام الإدراك أن الأسد لابد أن يرحل يوما ما, ولكن يهمني أمرين: أولهما أن لا تنهار الدولة السورية بانهيار الأسد. وثانيهما أن لا ينتصر الإرهابيون، ويرثون الأسد، وتصبح سوريا أفغانستان ثانية، وهو ما أقلق الروس، ودفعهم للتدخل رغم المخاطر التي تكتنف تدخلهم.
إلى اللقاء.