د. عبدالرحمن الشلاش
قابلت قبل أيام أحد أصحابي القدامى، وبالمصادفة في أحد الأسواق الكبيرة بمدينة الرياض، ورغم عثرات الزمن وكبواته المتلاحقة بهذا الصاحب الصبور إلا أنه يتسم بلا مبالغة برحابة صدر يغبط عليها، وروح مرحة حرم منها خلق عظيم ممن ضحك لهم الزمن وانفرجت أسارير الدنيا في وجوههم.
سألته عن أحواله، قال وهو يضحك: كل شيء على خبرك يعني على طمام المرحوم. قلت له: طيب والبيت عساك في بيت ملك، استغرق في الضحك وكأنه تلقى سؤالا غير متوقع، قال الحمد لله، والله إلى اللحظة في بيوت الإيجار « شابت لحانا والملفى هوانا». قدمنا للبنك العقاري وحولونا لوزارة الإسكان، ومن يومها ونحن نعيش مسلسل تراجيدي طويل يبدأ بوعود براقة وينتهي بسراب وعند السراب تتبخر الأحلام ويسكننا اليأس الثقيل.
صاحبي الجميل والظريف وضع أصبعه وداس بقوة على الجرح، وفتح موضوعاً يهم شريحة كبيرة من ذوي الدخل المحدود، وهم مَن عبست الدنيا في وجوههم وأدبرت أمورهم ولم يتبق لهم سوى بقايا من أحلام ممزوجة بالتشاؤم. لم يكن السكن يمثل أزمة حقيقية في بلادنا قبل سنوات؛ فالصندوق العقاري يسهم من جهة والوحدات السكنية التي وزعتها وزارة الإسكان قبل أكثر من عقدين في مرحلتها الأولى فكت أزمات. للأمانة كانت الأمور أكثر يسراً وهو زمن الفرصة من فاتته عاش بعدها يتقلب في جحيم الأسى والحسرات.
زمن كانت الأراضي بتراب الفلوس والمساكن ليست بمستوى الغلاء الفاحش الذي نشهده حاليا، ومعه تحول الممكن إلى مستحيل والحلم إلى سراب. في مدينة الرياض أسعار الشقق العادية وفي أحياء بعيدة في أطراف المدينة تجاوزت سقف النصف مليون ريال، ولا تسأل عن أسعار الفلل ووحدات « الدبلكس» لأن مجرد ذكر أسعارها يصيب بالإحباط ويرسخ القناعة لدى « الطفارى « باستحالة الحلول فمن أين لهم بتوفير تلك المبالغ الطائلة لذلك سيرددون مع صاحبنا « شابت لحانا والملفى هوانا». والملفى الذي استعاره صديقي الظريف في عبارته هو المنزل وفي رواية أخرى البيت، وربما اتفق جمهرة من العقاريين على تسميته المسكن، و لك يا صديقي الظريف أن تسميه شقة وإن ارتفع طموحك «دبلكس « أما إن حطتك الظروف من عل فما لك إلا غرفة فوق السطوح.
منذ خمس سنوات وحين أمرت القيادة بإنشاء وزارة بمسمى وزارة الإسكان ونحن نعيش فصولا من الوعود والتصريحات وصلت إلى حد الجزم بانتهاء الوحدات السكنية واقتراب الحلم فالتأكيدات تأتي تباعا والوعود وصلت لدرجة أن قيل في ذلك الحين «يا مواطن طب وتخير « أرض أو قرض، أو أرض وقرض أو قرض بلا أرض ومضت الأيام فلا المواطن طب ولا هو تخير ما يريد، وإنما طب في بحور الحيرة وتخير الصبر.
رحل وزير ثم جاء آخر ووزارة الإسكان مازالت تتحدث عن المنتجات السكنية وهو مصطلح جاء ليبشر بوجودها لكن أين؟ الله أعلم!. آخر ما استقرت عليه الوزارة ما أسمته بالقرض المعجل من البنوك. هذا القرض إن كان بلا فوائد فهو أمر يحسب للوزارة، أما إن كان بفوائد فهو موجود أصلا وليس للوزارة أي دور فيه.