إبراهيم بن صالح السليمان الخزيم ">
لا شك أنَّ المفَجِّر آثمٌ قد فجَّر الله به قبل أن يفجر بغيره، وقد قتله الله قبل أن يقتل غيره، ولو عاد إلى الحياة واطلع على ما فعل لَعَلِمَ أنه ليس من الفريقين، لا مِن فريق الدين الذي زعم أنه ينتسب إليه، ولا من الفريق الذي ساقه ليكون لحماً متمزقاً يُكنَس بالمكانس ويُجمَع بالأكياس، ولَعَلِم أنه ليس أكثر من شنطة دُحِيَتْ باروداً فانفجر، فماذا يستفيد الإسلام من تفجيرٍ في مسجد أو قتلٍ لبضعة أشخاص من عوام الناسِ لولا جهل المفجِّر بحقيقة تنظيمه أو مجموعته التي خدعته بتغاريدها وأناشيدها، كما تراه اليوم فيما يسمى بداعش المتسترة بعباءة الخوارج والخارجين، وهم ليس لهم صلة بالدين، فلو كانوا خوارجَ أو من الخوارج لرأيت مِن قادتهم ومَن وراءهم ما تراه مِن الخارج المتمرد وليس كهؤلاء المتلثمين والملثمين الذين لا يُعرف لهم أسماء ولا وجوه، فلا خوارج ولا خارجون ولا بغاة ولا زمرة ولا خونة ولا مارقون بل غزاة معتدون، والعبرة بالقادة والمنهج وبالهدف البعيد ونوع المستفيد، لا بالشعارات والعبارات، ولا بالأتباع والرعاع والمخدوعين والمغرر بهم ممن يظنون أن الإسلام لغة حمراء وسكين ودماء، وكأن العقيدة سَفْحٌ وذبح وأشلاء.
ولهذا، وعليه فإنه لَمِن الخطأ الواضح والفادح أن تتردد في الإعلام والمنابر كلمة خارجي ونحن نرى تفجيراتهم تمتد إلى قلب الإسلام وقبلته ورئته التي يتنفس بها، فكيف نعينهم بهذه الكلمة الكاذبة الخاطئة التي ما زلنا نعزفها لهم في قنواتنا وتغريداتنا حتى صدَّقنا أنفسنا، وخدعنا أبناءنا، وأشهدنا العالم علينا، واعترفنا بما لم نفعل، وأعناهم بها وأمددناهم وسترناهم بعباءة الدين، وصرفنا الناسَ عن أصولهم وأصل تنظيمهم، وشاركنا في تغييب حقيقتهم، وتبرعنا أمام العالم لنكون جريمتَهم، ويكونوا الذئب البريء حتى صارت داعش بسذاجتنا سعودية تُنسَب أوتوماتيكياً للسعودية والسعوديين. كل هذا بفعل هذه الكلمة الخاطئة التي لو أسقطناها عنهم لسقطوا.
فليس غريباً ونحن نضلِّل بها الأطفال والمراهقين أن ينخدع بهم الصغير والجاهل، ممن يعجبهم بطشهم وانتقامهم، أو ممن تضيق بهم الحياة يوماً فيلتمسون بهم النجاة.
ثانياً: إنَّ وصفنا لهم بالخوارج يعني أنَّ هذا التفجير المريع والقتل الذريع الذي تسيل به الشاشات هو من فعل الإسلام ودستوره بطريقة أو بأخرى، لا مكر أجنبي ولا عربي ولا غزاة ولا عصابات.
ثالثاً: يتحتم علينا بعد اليوم أن نحذف من قنواتنا وثقافاتنا وسياساتنا كلمة شيعي وكلمة سني؛ فالكل مواطنون، ولا مكان للمتاجرة بدماء الضحايا؛ فالمتاجرة ليست إلا خطوة ثانية، يريدها صانع التفجير؛ لينفذ إلينا من خلالها.
رابعاً: يجب على أي طائفة أو جماعة متهمة بارتباط خارجي أن تتبرأ منه الآن وليس غداً؛ فمن غير المقبول أن تعيش في بيت أبيك وتنتسب إلى غيره.
خامساً: نحن بحاجة إلى توعية إنسانية وليست أمنية؛ فالشباب الذين يذهبون لداعش مثلاً إنما يذهبون مقتنعين بما ذهبوا إليه، فلن تملك موتاً أقوى من الموت الذي يفرون إليه لتهددهم به، وقد أثبتت لنا الأيام ذلك بأطفال يذهبون، ولمَّا يبلغوا الحُلُم.
إنهم أولادنا وأحفادنا وأفئدتنا وأكبادنا، وهم أحوج إلى الشفقة والحنانِ، فقد أهملناهم حتى افتقدناهم وأسلمناهم لشاشات سامجة، لا معنى فيها، أو لمدرجات خَواء لا خير فيها، أو لمدارسَ ليست أكثر من أحواش. وليس صحيحاً أن السبب في المناهج التعليمية، فمن زعم أنها سبب في انحرافهم فلماذا لم تكن سبباً في انحرافك أنت أيضاً؟ ثم ما هي المناهج التي تريدها؟ هل تريد حروفاً من دون معانٍ؟ أم تريد تربية ليست تربية؟ إن الدوران حول الكتاب هو عجز في فهم الأسباب، بل هو هروب من اللائمة التي تقع علينا، فنلقيها على الطالب، ونلتمس سبباً هو الكتاب.
سادساً: أين جامعاتنا ومؤسساتنا وبحوثنا في أمر داعش وليس أمرِ صبية يفرون إليها؟ ماذا أنتجت الجامعة لنا؟ وماذا أنتجت لأطفالنا من برامج تحميهم وتغنيهم عن ممارسة ألعاب القتل والعنف والدماء؟
ما ذنب طفل أهملناه فقتلناه؟ أو ضلَّلناه فجرَّمناه؟ إنه سوء التربية التعليمية، وغياب الجامعات وانعزال كوادرها وإهمالها التام للتعليم العام، وكأن الجامعة ليست جزءاً من الواقع.
ومثل الجامعات سوءُ التربية الإعلامية، فمتى يعي الإعلام أن المشاهد إنسان؟ وأنه عقل وبيان؟ وأن الإعلام عتبة المستقبل، وقلم الحياة؟ وليس شاشة وفكاهة، وليس بدِرْجٍ ودكان.
سابعاً: أين الدوائر السرية والعيون الرسمية لا تتحدث عن طقوس داعشَ، وأولها طريقة الإعدام التي يتفنَّنون بها؟ فما علاقة الدين بتفجير جمام المحكوم عليهم بالإعدام بالأحزمة الناسفة؟ هل نتفرج ثم نبرر كل ذلك بكلمة خوارج؟
وما سر التفاخر في بيع السبايا وحرق الأحياء بالأقفاصِ ولو باشرتها لحية وثوب قصير، ولو أذن بينهم مؤذن وأقام الصلاة؟
إنَّ كل ما يحدث من طقوس وقطع للرؤوس ليس إلا تشويهاً متعمداً للإسلام وتجهيزاً لغزو دياره، وما تلك الأساليب الفظيعة ونشرها وكأنها بشائر الخلافة إلا مكراً من بعد مكرٍ لاجتذاب المراهقين والأطفال والمقهورين للعبور على أشلائهم من حيث لا يشعرون.
إنَّ داعشَ ليست إسلاماً ولا خلافة ولا دولة ولا شعباً ولا عارضاً مُمْطِراً، إنها ريحٌ فيها عذابٌ أليم، تُدمِّرُ كلَّ شيء، ولا عبرة بمن اغتر فالتحق بها ففجَّروا به قبل أن يفجِّر بغيره. إن داعش يدٌ خفية لقوة متربصة، جاءت تطرق بها تاريخاً جديداً ومرحلة زمنية أخرى، ولن تزال في طرقها ومطرقتها حتى تلج ديارنا. فمتى نُسمِّي الأشياء بمسمياتها؛ ليتعلم أطفالنا، ويستيقظ جهَّالنا؟ فلن ينتهي الفرار إلى داعش حتى ننتهي من وصف الغزاة المعتدين بالخوارج.