وهم ">
بخصال شعر كالليل البهيم اخفت نصف وجهها بينما بان النصف الآخر كربيع القمر، لا يزال يظهر منها كامل الثغر الخجل إلى الداخل، دون الذقن المنتصب دالا على شخصية لا تهتز، وبعين ذات رموش كرماح منتصبة، مطرقة نحو كوب القهوة, ممسكة به بكلتا يداها، لا تشرب منه, فقط تتأمله, وعبق القهوة يرتفع لمناسم أنفها الرفيع الرقيق.
المقهى في مكان أوروبي قصي مزدحم, يعج بالبشر اللاهثين خلف لقيماتهم غير أبهين بمن حولهم سوى القاء سلام جاف أو اعتذار واه ولسان حالهم يقول: اغرب يا هذا عن وجهي, لدي من الهموم ما يحيل الأيام ليالي!
فالمقهى معتاد أن يعج بالبشر والنُدُل يتحركون كالنحل نشاطاً ولاعبي البالية رشاقة يرضون الكل ناهيك عن لون بشرتهم أو طول شعرهم, ليت البشر كلهم كذلك. قعدت انظر اليها غير مكترث باثنين اشتركوا معي في طاولتي يبعثرون الكلم والشكاوى على الكل. هي كذلك لم تخلو طاولتها من الغث والسمين لكنها ظلت صامتة. رغم الازدحام، كنا وحدنا. رغم الضوضاء، كنت اسمع أنفاسها. الكوب خبت أنفاسه، لم يمس طرفه, ركبتين متلاصقتين وكفان حضنا الكوب كالطفل في المهد.
ترى! ما بها! ما الذي يشغل بالها؟ فتحت عينها! هنا قُطعت تأملاتي لأرى عينها كقرص العسل ترمقني مباشرة, تسارعت دقات قلبي، اعرق جسدي كله كطفل توشك أمه أن تؤنبه فاشحت بوجهي ناحية الشارع. لا تزال ترمقني بغيض،، أشعر بنظراتها تخترقني.
لحظتها مرة أخرى فإذا بها أزاحت الشعر عن نصف وجهها فبان بدرا مكتملاً, لكن هناك أمر ما, غضب كبير في عينها الأخرى الحمراء كشمس الأصيل. لا بد إنني قطعت وحدتها.
وقفت جارتها وصاحت كالقائد: هيا بنا, ثم التفتت ناحيتها وقالت: هيا يا.. خرجن على عجالة وانتهى كل شيء
تساءلت: كيف تكون هذه؟ وقد خطفت قلبي.
- علي الماجد