سيدة الطريق ">
في موقف السيارات ليس هناك أي حافلة تقلهم لمدينتهم في تلك الساعة المتأخرة في ليلة من ليالي يناير.. البرد شديد رغم المطر...
الركاب ينتظرون ويتأهبون للقفز في أي عربة قادمة.... جاءت حافلة صغيرة. انحشر الكثير من الركاب حتى جاء السائق لترتيب حشرهم وكان مكان الصديقين في الكرسي الأخير ويكاد يجلس كل منهما على رجل الآخر.
تحركت العربة وكان ذلك إيذانا بانطلاق المعزوفات من أفواه الركاب غاطين في سبات عميق.. تحركت العربة حتى خرجت من حدود المدينة لتصل لعالم آخر.. ظلام دامس أغرق الطريق..
انهمرت حكايات الصديق (المرعب) الذي يعشق جو الخرافات؛ برغم إجهاده الشديد إلا انه لم يرد لتلك الفرصة أن تمر هكذا.... بدأ في سرد حكايات عن الجنية والأشباح التي تطارده، وما يراه في واقعه في حالة تتواءم مع تلك الأجواء... صديقه يغالبه النعاس لا يرد سوى (معقولة/ مش ممكن/ يا ساتر/ اللهم اجعله خير....)...
لازال المطر ينهمر تظهر ملامحه خطوطا على زجاج الحافلة، وبخاراً يتصاعد من النائمين يبعث جواً من الضباب داخل العربة... و(شابورة) بدأت ملامحها تظهر في أضوائها الأمامية... فجأة توقفت الحافلة...لا أضواء في المكان، لا معالم لأي شيء، ركبت سيدة تلتحف السواد، العجيب أنها وجدت لها مكانا بيسر وسهولة في الكرسي قبل الأخير... لم يتحرك او يستيقظ أي من الركاب... عدا الشابين... تنبها لوجودها ولغرابة صعودها... سيطرة عليهما حالة من الرعب...
همس أحدهم للآخر.. يبدو أنها (بسم الله الرحمن الرحيم) أدارت رأسها تجاههما ببطء شديد.. وعيناها كالجمر... ولكنهما تماسكا وبدأ في قراءة آية الكرسي، وفجأة توقفت العربة دون أن تطلب من السائق التوقف، هبطت في الظلام واختفت.
صرخ أحدهم منادياً السائق...لم يرد. غاصا في الكرسي رعباً...ساد صمت شديد.. لم ينطقا حتى وصلت السيارة لنهاية الرحلة... سألا السائق..من تلك السيدة التي ركبت في منتصف الطريق؟
أجابهما:
أي سيدة؟!
- محمد يوسف