ناصر الصِرامي
في صناعة المحتوى وتقنيات نقله وتوزيعه تنقلب صورة الإعلام- الإعلان، بل صناعتهما بشكل عام، تحولات تقودها التقنية بلا شك..
تموت القنوات والوسائل الإعلامية الحكومية وهي مسترخية، فالمال يأتيها من الحكومات، وليست مستعدة أو جاهزة للتجربة أو المخاطرة أو الإبداع أو حتى المواجهة، بل ليس لديها غريزة البقاء مطلقا، فهي تعتقد أن البقاء مرتبط بتدفقات الميزانية الحكومية التي تصلها سنويا، أنها في النهاية مسيرة ولا تريد أن تكون مخيرة، بل ولا تستطيع إلى ذلك سبيلا .. لذا هاهي تتقلص حضورا وتأثيرا وفعالية وقيمة.
في السوق الإعلامية الخاصة البقاء للأقوى، وبوضوح أكثر البقاء والتفوق لمن يستطيع إغراء الإعلان ليقتطع مساحاته، ويتربع فيها، ويدفع أكثر وأكثر، هذا هو مصدر تمويل الغالبية الكبرى من وسائل الإعلام غير الحكومية.
لكن هذا الإعلان مهدد أكثر من أي وقت مضى، والتهديد يأتي مجددا عبر الغزو التقني المثير، والذي يغير من الأشكال التقليدية للإعلام، وبالتالي للإعلان.
جوجل الضخمة والمالكة لموقع يوتيوب أعلنت أنها سوف تتيح للمستخدمين ابتداءً من الأسبوع القادم، خيارا جديدا يجعلهم يتجاوزون الغزو الإعلامي لمتعة المشاهدة، لكن ذلك لن يكون مجانا، فالاشتراك في نسختها الخالية من الإعلانات من يوتيوب والذي يحمل اسم يوتيوب الأحمر YouTube Red وذلك مقابل 10 دولار في الشهر، نحو 37 ريال سعودي.
سيكون للمشاهدين أولا في الولايات المتحدة فقط، تجريب يوتيوب الأحمر مجاناً ولمدة شهر واحد ابتداءً من يوم 28 أكتوبر. حيث تحاول جوجل معرفة عدد منهم مستعدين لدفع 10 دولار شهرياً للحصول على يوتيوب خالي من الإعلانات، حيث يعتبر مبلغ الاشتراك مماثلاً لما يدفعه المستخدم للاشتراك في خدمة بث الفيديو المعروفة- نيتفليكس -مثلا.
هذه الاشتراكات هي التي ستعوض قيمة الإعلان، بنفس الطريقة تقريبا التي تختلف فيها القنوات التلفزيونية المشفرة، أو تلك الحرة المتاحة عبر أي لاقط فضائي بدائي. لكن في تجربة اليوتيوب الجديدة لا وجود البتة للإعلان، ولا يوجد جدول زمني للبث، أنت المتحكم في الوقت والمضمون الذي ترغب متابعته.
الجديد في النسخة المدفوعة من يوتيوب الأحمر، والتي تختلف عن يوتيوب المجاني، ونيتفليكس وما شابهها، هي إمكانية قيام المستخدمين بتحميل مقاطع الفيديو إلى أجهزتهم لمشاهدتها لاحقاً بدون الحاجة لاتصال انترنت، وستعمل هذه الميزة ضمن أجهزة الهواتف الذكية أيضا.
صحيح أن الاشتراكات التقليدية على الكثير من المواقع الالكترونية فشلت في تحقيق نموذج اقتصادي ناجح وفعال، فقد أخفقت كبريات المواقع الإخبارية والصحفية عالميا في تحقيق إيرادات مستحقة عبر الاشتراك في نسخها وخدماتها الالكترونية، فقد ولدت الانترنت حرة ومجانية، وحجم الخيارات المتاحة وكمية المتوفر من معلومات والاختيارات جعل فكرة الاشتراك سخيفة وغير مقبولة، باستثناء بعض المتخصصين والدارسين، لكنهم في النهاية رقم لا يمكنه قيادة سوق المعلوماتية.
ولنتذكر أن سر نجاح شبكات التواصل الاجتماعي في توفرها ومشاركتها دون أي تكلفة إلا تكلفة الاتصال بالانترنت.
إلا أن خطوة جوجل-يتويوب الجديدة باختصار تتجه إلى التلفاز المدفوع والذي يسمح لنا، مقابل ما ندفع بالحصول على المحتوى والتحكم فيه بعيدا عن المعلنين، لكن ذلك مجرد بداية لسلسلة من الاختيارات ..والاختبارات أيضا، أنها تحول إلى صناعة المحتوى وشرائه والدخول في شراكات عديدة، وليس مجرد جمعه من الهواة حول العالم. حيث تتطلع يوتيوب-جوجل إلى تطوير بعض المحتوى الأصلي الخاص به لجذب انتباه المشتركين المحتملين وبشكل ينافس بشكل مباشر مع هولو Hulu ونيتفليكس Netflix.
إنها محطة تلفزيونية خالية من الإعلان ومن بث مجدول.. حيث لم يعد الريموت كنترول في يد المشاهد، بل كل المحتوى تحت أمره..واختياره.
وإن كنا نقول إن المحتوى هو ملك كل الوسائل والوسائط.. فإن المحتوى أصبح ملك للناس بالمطلق..ولن يمنع أحد تدفقه..!