أي قطاع مهما كانت حيويته وأهميته بالنسبة للفرد والمجتمع دام أنه تم تنظيمه بعدد من الأنظمة والتشريعات فما الداعي إلى إيجاد جهة متخصصة لهذا القطاع أو الحقول المرتبطة به؟.
للإجابة عن هذا التساؤل ورداً على ما يمكن أن يكون ذريعة لمن لا يرى أهمية ذلك أود أن اورد مزيدا من الأمثلة للمخالفات وتنوعها ضمن هذا القطاع الذي يحتوي على حقلين؛ حقل الأراضي وحقل الممتلكات.
إن المخالفات التي يمكن تصور وقوعها بأنماطها المختلفة والمتنوعة لتكون مرتعا في ظل قطاع تتفرق حقوله وهو غير مهيكل ضمن منظومة إدارية موحدة ستكون وافرة وللمخيلة مجال خصب للتفنن في إبداع صور لها - مخيلة جرائم الطبقة المرفهة - الياقات البيضاء وإن شئت سمها البشوت الملونة - ولكن الأجدر عدم مجاراة التصورات والتخيلات مع وفرة امثلة واقعية وقائمة حري التوقف عندها وطرحها.
سبق أن أوردت مثال احتكار أراضي المخططات، وهنا أورد مثالاً آخر علماً أنه ليس بالضرورة أن كل مخالفة تحمل في نفسها معنى سلبياً، فقد يلجأ شخص لحيلة ما لتحقيق نفعٍ أو تجنب ضررٍ من غير إلحاق مضرة على أحد أو جهة أخرى في ظل استغلال ثغرة قانونية او نقص تشريعي او هيكلة غير موحدة لقطاع ما، وهو ما لا يمكنه في حال وجود هيئة متخصصة لها ان تعنى بسد الثغرات والتشريعات متى ما دعت الحاجة إلى ذلك والعمل على إنفاذها على ارض الواقع لتوحدها ضمن جهاز مستقل.
كمثال ابتدعت المصارف لدينا للحصول على ضمانات من المتقدمين لها بطلب قروض شخصية او تجارية - بسبب تمنع القضاء الشرعي إيقاع الرهن على العقارات كضمان للقروض تجنبا لذريعة الفوائد الربوية - إلى ثلاث طرق؛ إما بحيازة صكوك تلك العقارات حيازة فعلية يمنع مالكها من التصرف فيها او استخراج بديل عنها بدعوى فقدها لوجودها فعلاً لدى المصرف حتى يتخالص، أو بإضافة الحصول على وكالة من مالك العقار المقترض على بيعها من غير شرط في حال التعثر عن السداد، أو بنقل ملكيتها بشكل فعلي ليس لملكية البنك - حتى لا يصطدم بنظام مراقبة البنوك والتي لا تعطي البنوك الحق في الاستثمار ويقتصر تملكها على ما يكون مقارا لإدارتها وأنشطتها المصرفية فقط - ولكنها تلجأ إلى إفراغ العقار باسم شخصٍ موظفٍ لدى المصرف يكون موضع ثقة الإدارة العليا من جهة وليس لديه علم بعدد العقارات المفرغة باسمه وحجمها فهو موكلٌ المصرف في البيع والشراء وكالة عامة.
يبدو لي انها حيلة شرعية تماما - لا جريمة ولا طبقة مالكي السيارات المرفهة الا واحدة تصرف للموظف المخلص جدا كل ثلاث سنوات امتناناً لولائه - وللسادة الأحناف وفقهاء الأترائيون في مجال الحيل الشرعية الشكر كل الشكر (طبعاً المصارف تستغلها كحيلة بدل الخيار الآخر الـ SPV والبنوك تعيها تماماً وتتجنبها لتتخلص من حزمة الالتزامات التي تصاحبها ما امكن)، ولكن الا يتصور مجرد تصور ان يتم استغلال هذه الحيل الشرعية تماما فيما ليس شرعياً تماماً. تكثر المشاريع العمرانية ومعها كثر نزع الملكيات، أقول الا يتصور مجرد تصور ان يتم إجبار ملاك بعض العقارات المنزوعة للصالح العام - عقار مميز جدا او ذو حجم كبير كالمزارع القديمة في وسط بعض المدن وغيرها - بحملهم على بيعها بثمن بخسٍ لمنفعة أطراف لها اليد الطولى في تقييم التعويضات، وإلا نال صاحب العقار في حال تمنعه خسف في تقييم عقاره ونكال حين تحصيله، فيكون مجبراً لنقل ملكيتها لا باسم المنتفع المباشر - ليبقى اسمه ناصعاً كنظافة ثوبه - بل باسم شخصٍ موظفٍ في مكان ما - علاقات رؤوس الأموال رشيقة برشاقة الهدهد - ثم يتم رفع قيمة التقييم إلى اقصى حدٍ ممكن من غير بروز علامات استفهام! أما في حال وجود هيئة متخصصة ولأن نقل الملكيات وأعمال سائر التصرفات الواردة على العقارات سيكون تحت رقابتها (بعد نقل اختصاص كتابات العدل الأولى لتلك الهيئة) فلديها قائمة بالملاك وتغير الملكيات وتحت ملاحظتها ملاءة الاشخاص - تكفي الملاءة من جهة العقار- وفي حال وجود شخص يمتلك عقارات بالملايين ولا يبدو عليه مظاهر الملاءة تبرز علامة استفهام بحجم هذه المقالة، إلى جانب التغير في حقوق الملاك ضمن ظروف مشبوهة كقرب عهد العقار في نزع ملكيته لصالح العام وجانب مخالفات أخرى من صميم العلاقات الخفية المشبوهة وتسريب الاخبار والاستفادة منها Insider dealing.
أما بالنسبة للحقل الآخر ألا وهو حقل الممتلكات، وهو كل ما ينشأ على الأراضي من مبان أو يرتبط به من منشآت، فقد سبق أن اشرت إلى كود البناء السعودي Saudi Building Code SBC، وبالرجوع اليه نجد انه في غاية الدسامة ورائع ولكن ما فائدة روعة لوحة ليس لها حضور في صالة العرض التي اعدت من اجله، واقصد به فائدة كود البناء وهو إرشادي وغير ملزم، يمكن الاطلاع على كود البناء في موقعه على الشبكة: (http://www.sbc.gov.sa/books.php) وهو باللغة الإنجليزية اطلعت على أحد مجلداتها في 602 صفحة وآخر في 138 صفحة مجموعها في اثني عشر مجلدا معنونة بالترتيب التالي: متطلبات وشروحات المنشآت الخرسانية، التربة والاساسات، التفتيش والاختبارات، الأحمال والقوى، المتطلبات المعمارية، المنشآت الطوبية، متطلبات وشروحات المنشآت الفولاذية، المتطلبات الكهربائية، المتطلبات الميكانيكية، ترشيد الطاقة.
بعد الاطلاع على هذا الكم التنظيمي أليس من حق كل مواطن وكل جهة خاصة كانت أو عامة اطلعت على هذا الجهد سواء كان محلياً أم بالنقل من دول أخرى ان تطمأن إلى إقامة أو امتلاك منشاة مصنفة وفق هذا الكود، وذلك بأن يكون إلزامياً أولاً وان تكون الجهة المشرفة على تطبيقه ليس جهازاً تقليدياً اعتاد القائمون عليه العمل في ظل ظروف الوظيفة العامة فلا يمنح حقه من الكفاءة المتطلبة ثانياً، بالإضافة أن يكون العقار حائزاً على شهادة تصنيف لدرجة العقار والعمر الافتراضي المرتبط به ثالثاً، وذلك بدلاً من الاعتماد على مكاتب هندسية يكون لهم حق تقدير ما يؤخذ وما يدع من متطلبات الكود الاسترشادي المشار إليه ابتداءً، ومقاولون في السوق من كل حدب وصوب يسقطون ذلك القدر الشحيح الظاهر على المخططات الورقية وينفذون القدر اللازم لبقاء العقار كعروس في نظر الخاطب وحتى ليلة العرس وإن انهار بعدها انتهاءً؛ وللمتضرر اللجوء إلى القضاء والمطالبة بالمهر المدفوع ما بعد الانتهاء - وقد طارت الطيور بأرزاقها - لعروس تعاني من تشققات في العظام لا مجرد هشاشة مكسوة بفستان عرسٍ محلى بجواهر صينية مقلدة ولكنها والحق يقال زاهية حتى يتسلل محتوى نخاع العظام المتشقق إلى الثوب الرخيص. وللأسف فإن أمراض العظام لا تتوقف عند صنف واحد فالأمراض متنوعة ومنها عكس الهشاشة تصلب العظام حتى تختفي الأوردة العظمية؛ بيعت بأحد المدن عمارة في وضح النهار - يبدو أن المشتري اعتاد النوم مباشرة مع حلول الظلام - من ثمانية أدوار، واكتشف صبيحة عرسه خلوها من التسليكات الكهربائية الداخلية تماماً مع وضع الإنارة والمكابس الكهربائية الخارجية وخلفها تجويفات خالية وجدران مصمتة لا تمديدات ولا خراطيم بها، رثاؤه الوحيد ان الشارع كان به أغطية تصريف السيول على الإسفلت المصمت.
لقمان سيف الرحمن الدهلوي - قانوني - هيئة السوق المالية
dahlawil@gmail.com