غسان مصطفى الشامي ">
انتفاضة القدس تشتعل يوما بعد يوم، وتسجل انتصارات للقدس وفلسطين، وتتصاعد يوميا المواجهات والاشتبكات و(حرب السكاكين) ضد جنود الاحتلال في كافة مناطق القدس والضفة المحتلة.
إن هذه الانتفاضة يشارك فيها الكل الفلسطيني، ولم تعد مقتصرة على الشباب وحدهم حيث حاولت فتاة فلسطينية أمس تفجير سيارتها في عدد من المستوطنين في مستوطنة معالي أدوميم شرق مدينة القدس، فيما تشارك فتيات القدس والضفة في المواجهات اليومية ضد جنود الاحتلال.
لقد انطلقت انتفاضة القدس لتقول لجميع المتخاذلين، والمتهاونين في حقوق ودماء أبناء شعبنا لتقول لهم لا لمساومة الاحتلال ولا للتفريط بالحقوق والثوابت ولا لتقسيم القدس.. لقد انطلقت هذه الانتفاضة في وقت عصيب تمر فيه القدس في مرحلة خطيرة، عندما بدأ الصهاينة ينفذون مخططات تقسيم القدس زمانيا ومكانيا، لقد انطلقت الانتفاضة وأبناء القدس يحملون هم الدفاع عن المسجد الأقصى من الانتهاكات والاقتحامات اليومية لباحات المسجد الأقصى.
لقد أحدثت انتفاضة القدس رعبا كبيرا وسط الجنود الصهاينة والمستوطنين، ومن شاهد فيديو إطلاق النار على الفتاة الفلسطينية إسراء عابد، ومحاولة قتلها في محطة الباصات المركزية في القدس يدرك الرعب الشديد المسيطر على جنود الاحتلال في كافة مناطق تواجدهم.
إن انتفاضة القدس انطلقت ويجب أن تستمر من أجل حماية القدس والمسجد الأقصى ومن أجل الوقوف في وجه الجرائم اليومية والانتهاكات اليومية لحرمة المسجد الأقصى، ووقف ما تتعرض له الحرائر الفلسطينيات من قتل واعتقال وضرب من قبل الجنود الصهاينة أمام مرأى ومسمع الجميع.
لقد قدمت القدس في هذه الانتفاضة منذ انطلاقتها في بداية شهر أكتوبر الجاري تسعة من الشهداء وأكثر من 2700 جريح فيما تعرض أكثر من 200 مقدسي للاعتقال، ولكن رغم سيل الدماء والجراح إلا أن شعلة الانتفاضة لن تنطفئ، وتدور في كل يوم اشتباكات ومواجهات في شوارع وأزقة القدس وعمليات طعن جديدة.
هذه الانتفاضة انطلقت من رحم الآلام والمعاناة.. انطلقت هذه الانتفاضة ويقودها الجيل الفلسطيني الذي يحمل عقيدة الجهاد والفداء في سبيل الله من أجل القدس، انطلقت هذه الانتفاضة ضاربة بعرض الحائط كافة اتفاقات التسوية والمفاوضات والتنسيق الأمني مع الاحتلال.
لقد أربكت انتفاضة القدس حسابات الصهاينة ، وبدا رئيس الوزراء الصهيوني (نتيناهو) بدا ضعيفا أمام ما يحدث من عمليات طعن للصهاينة في القدس المحتلة، وعدم مقدرته على توفير الأمن لقطعان المستوطنين، ولقد سيطر الخوف والرعب على حياة المستوطنين وأصبحت تحركاتهم محسوبة في القدس، كما أصبح الخوف سيد الموقف ولا يخرجون من منازلهم بسبب الخوف من عمليات الطعن من قبل الشبان الفلسطينيين.
إن ما يحدث في القدس المحتلة يذكرنا في أحداث انتفاضة القدس في مايو عام 1929م عندما اشتعلت مدن وحارات القدس بالمواجهات ضد الاحتلال البريطاني وضد اليهود الذين طالبوا من السلطات البريطانية الاستيلاء على حائط البراق في القدس، ومنعوا المسلمين من الوصول إليه، وعندها اندلعت المسيرات والمظاهرات ضد الاحتلال البريطاني واليهود، واستشهد خلال هذه الانتفاضة حسب مصادرنا التاريخية 49 شهيدا من القدس قراها.
إن ما يجري اليوم في القدس من انتفاضة لا بد أن يكون له دعما عربيا واحتضانا من أبناء الأمة العربية والإسلامية الشرفاء، وأشدد على توفير الدعم والمساندة لأهلنا في القدس والأقصى الذين يدافعون عن شرف الأمة العربية وقلبها النابض لوحدهم، لابد من المساندة وتوفير الدعم المالي لهم، كما أوجه رسالة لوسائل الإعلام العربية بضرورة تكثيف التغطية الإعلامية لما يحدث في القدس، والعمل على تخصيص أوقات بث كافية لما يحدث في القدس.
القدس اليوم تنتفض وتخرج بشبابها ونسائها غاضبة في وجه المحتلين الصهاينة، تخرج القدس لتعلن عن رفضها القاطع لكافة مشاريع التهويد والاستيطان في القدس.
لقد أرهقت انتفاضة القدس العدو الصهيوني كافة خططه الأمنية وأفشلت حساباته، وهو يعد العدة للإيغال في مخططات تهويد القدس وتنفيذ مؤامرات التقسيم للمسجد الأقصى، ولم تقتصر هذه الانتفاضة على القدس وحدها بل كان للفلسطينيين في أراض عام 48 المحتلة دور بارز في دعم ومساندة انتفاضة القدس وقدموا الشهداء الجرحى من أجل استمرار هذه الانتفاضة في وجه المحتلين.
انتفاضة القدس ستتواصل رافضة لكافة الاتصالات من أجل وئد هذه الانتفاضة، انطلقت الانتفاضة رفضا لكافة مساعي وفد الرباعية الدولية الذي سيزور رام الله قريبا من أجل بحث كيفية وقف هذه الانتفاضة ووضع حدا لها.
القدس في ميدان المواجهات ليست وحدها، بل إن غزة مفجرة الانتفاضة الشعبية الأولى عام 1987م، خرجت أيضا تدافع عن القدس، خرجت غزة لتعلن عن غضبها، خرجت غزة لتعلن التحامها وتوحدها من أجل القدس، بل وقدمت عدد من الشهداء والجرحى في هذه الأيام الغاضبة، كما أن المقاومة في غزة أطلقت عددا من الصواريخ على البلدات الإسرائيلية القريبة من القطاع.
إن ما يحدث اليوم في القدس من هبة جماهيرية وانتفاضة شعبية يجب أن توحدنا جميعا، وأن تزيل آثار وتراكمات الانقسام وتبعاته البغيضة.. إن هذه الدماء الطاهرة الزكية التي نزفت في القدس وغزة يجب أن تكون منارة الطريق لنا لتحرير أرضنا ومقدساتنا، ولابد من الكل الفلسطيني التمسك بخيار المقاومة ووحدة شعبنا من أجل مواجهة المؤامرات والتحديات القادمة والانتصار عليها.
إلى الملتقى..