عبد الله باخشوين
.. لن تكون هناك حُرية أو ديمقراطية.. مالم تتغير البنية الفكرية والسياسية في بلادنا.
كتبت هذا ونشر في مجلة (إقرأ) في نحو عام 1395.. وتبرع أحد زملاء المهنة.. بكتابة (تقرير كيدي) أشار فيه إلى أنني اعني بـ (البنية الفكرية).. (الدين الإسلامي).. واعني بـ (البنية السياسية).. شخص (الملك المُعظم).
أي أنني ادعو لتغير الدين الإسلامي وتغيير الحكم الملكي العتيد.
وقد وجدت هذا حاضراً حين اُستدعيت للتحقيق الذي أداره سعادة الأستاذ الكبير والإنسان الجميل عبدالرحمن الراشد مدير عام رقابة المطبوعات حينذاك.. وحاضراً لدى لقائي بمعالي الدكتور عبدالعزيز خوجة وكيل وزارة الإعلام حينذاك.
لا ادري كم كان عمري حينها.. لكن اجبت بما أملاه علي ضميري لحظتها. دون تروي أو تكتيك أو اتزان ودبلوماسية.. يفترض أن تكون هي خلفية من يقصد المعنى الذي ذهبوا اليه.. وذلك للمناورة بأي شكل من الأشكال.
وقبل أن اعرف نتائج التحقيق طلبت إجازة - وكنت متزوج حديثا - وسافرت لخارج المملكة.
وحينها كان كل من يقرا الكتب السياسية الممنوعة يعلم أن مثل هذه العبارة تعد من (الكليشيهات) المتداولة.. التي لا احد يتوقف لديها ليفسرها بشكل كيدي يراد به قصم ظهر كاتبها.. بتشويه اهدافه ونواياه.. لأن ما كنا نعاني هو قائمة طويلة من الممنوعات المتوارثة خاصة في الثقافة ومصادرها من كتب وصحف ومجلات.
لم يكن احد - لا انا ولا غيري - يحلم أو يفكر في التطاول على هيبة الدولة ولا قداسة الدين.. غير أن الذي شجع كاتب التقرير تقلبات احوال المنطقة والعالم وازدهار الماركسية والقومية.. وصلاحية أي اتهام يمكن توجيهه في هذا الشأن.
اقسم انني قبل ذلك التقرير لم اكن اعرف أن (البنية الفكرية) يمكن أن تذهب لـ (الإسلام) وأن (البنية السياسية) سوف تذهب بالقول لـ(الملك) أو حتى (النظام الملكي).. ولا اعتقد أن من يريد الذهاب لهذا يتجرأ على نشره في صحافة بلده دون خوف أو وجل. طبعاٌ كنا نطرح هذا على أمل أن يكسر القيد الموروث وتقوم الرقابة - مثلاٌ - بالسماح بالكتب والصحف وما إلى ذلك.. لأنني قبل هذا المقال الذي نُشر (هامشة صغيرة) انشرها اسبوعياً في ثقافة (إقرأ) كنت قد نشرت مقالاً بعنوان (رقابة المطبوعات والوعي المفقود) على اثره استدعاني معالي المرحوم محمد عبدة يماني وزير الإعلام حينذاك.. وطلب اطلاعي على قوائم الكتب التي تم السماح بتداولها وكانت ممنوعة قبل ذاك غير اننا دائماً نطمح للمزيد.. ولم اكن ادري أن هذا الطموح هناك من يرصده ليكيد لي به - لن اذكر اسمه لأن الجريدة لن تنشره فهو زميل معروف ولا يليق نشر اسمه بأصول الزمالة المهنية.
المهم.. انا لست ضحية ولا شهيداً ولا متباكياً على ما مضى من سلبيات.. أعرف جيداً ضرورة إخضاعها لمنطق التطور الطبيعلي ومتطلباته.. وادرك جيداً أن كثيرا من الأمور يمكن أن تنعكس سلباً حين تتم في لحظة تاريخية ليست مناسبة لها.. أو أنها غير قادرة على استيعاب تحولاتها التي لا تخلو من سلبيات.
عٌدت وكتبت وقال لي الاصدقاء.. ما تكتبه الأن اكثر تطرفا وجراءة.. لكنك عرفت كيف تقوله.. دون طنطنة وكلام (كبير) قلت كل شيء بهدوء لا يثير احداً عليك.. وهذا اثار دهشتي.. لأنني منذ البداية لا اريد هذا التفسير ولا ذاك.
فأنا - وان كنت حينذاك لم استطع شرح المعنى - أدري جازماً أن (البنية الفكرية) هي (رؤيا جديدة) لمفاهيم قديمة ومتجذرة.. وأن (البنية السياسية) هي (ممارسة في الحكم) بأسلوب جديد.. يتفاعل مع كل المستجدات سواء كانت خارجية أو تحولات وتطور داخلي.. الأمر الذي يؤكد أن كل شروط السياسة تقوم على رسم دائرة اوسع من الدائرة التي تريد له أن يتحرك داخلها.
وكل هذا يعني في النهاية أن قدرة (الفكر) على المناورة تستوعب كل الأفكار وتقبل الإيجابي بإيجابية.. وترفض المنحرف بصرامة.. تقوم على التفسير والتحليل دون تحريم أو إلغاء.
(البنية الفكرية) هي أرضية اوسع من كل الافكار التي تٌطرح عليها.. فيما (البنية السياسية) هي القادرة على تنفيذ أو منع.. أو الغاء كل ما يتعارض مع هوية وخصوصية المفاهيم التي تحافظ على وحدة الوطن وتجعله مكاناً يعيش فيه كل ابنائه بكرامة وحرية.
مما يعني - بالضرورة - أن الأفكار هي - في أحسن الأحوال - عمائر بلا سُكان.. اما في الأصل فهي (خرائط) لمشروعات في أحيان كثيرة تكون غير قابلة للتنفيذ.. حتى أن احد المفكرين قال عن كارل ماركس إنه (اكبر رومانسي في التاريخ).
اما تحول الأفكار إلى أعمال مشروعة تمتلك حقها في الحياة والنمو والتطور.. فهذه هي المهمة الصعبة التي لا يقوم بها إلا من يمتلك القرار.. ويستطيع تنفيذه بحزم ودون تردد.