د. خيرية السقاف
حين يموت شخص تعرفه، فإنّ شريطاً ينفرط من كمون الذاكرة..
تستعيد صوراً من مواقفه معك،
من بعض أحاديثه،
تسترجع أذناك بها نبرات صوته ،
بل تذهب لربط ملامحه في مخيلتك، بضحكاته، بعبوسه بانشراحه، بتقطيبته، بهزله ، بجدِّه..!!
بل قد توغل في الإصغاء لشريط الذاكرة..
فتذهب تعدّد سجاياه، وتفرط محاسنه،
تنسى غضبك منه إنْ كان قد حدث،
وتذوب آلامك منه إنْ كان قد ترك شيئاً منها في نفسك..
لأنّ الموت أقوى من الحياة حين يلتقيان في لحظة الفراق..!
وإنَّ الأجل الذي يحين، هو مفتاحٌ تلج منه إلى ما قبل، أكثر مما يأخذك إلى ما بعد..!
لا حدود لباب الموت الذي حين يشرع لا يبالي بالمرء الموغل في معاشه، قد نسيه، ومضى..!!
الموت لا يأتي إلاّ ليدُكَّ الذاكرةَ..
يحرِّك موجَها بعنوة !!
مدُّه لا ينتهي، وجزْره لا يـَعْطف..!!
الموت مختلفٌ لونه، وطعمه وإنْ تشابه!
فمن الموت، ما تتساوى بعده كل الأحزان كموتِ «نوَّارة» التي أحبُّ..!!
ومن الموت ما يستلهم الحسرة كموت المختلفين معك..
ومن الموت ما يحرِّض الضمير كموت من لم تفه حقه عندك..
ومن الموت ما يشرع الذاكرة، كموت كل الذين مروا بك اتفقت معهم، أو اختلفت،
إنَّ الموت باختلاف آثاره حين يحضر،
تحضر أنت معه بكل وعيك !!
وما تلبث أن تترك بابه الذي أشرع أمامك في غيابة نسيانك!!
تولِّي راجعاً لساقية الحياة...
وتنخرط حتى يعود يفتح بابه من جديد
فتشرع ذاكرتك، تسترجع كامنها في دهشة مكررة..!!
***
رحم الله الذين ذهبوا، وجبر الفاقدين.
ورزقنا عفوه، ومغفرته، وثباته أجمعين.