يوسف المحيميد
كلما قرأت خبرًا عن حالات التقشف وخفض المصروفات في شركات كبرى في الخارج، كالاستغناء عن آلاف الموظفين، وتزايد معدلات البطالة خاصة في أوروبا، تذكرت الهيئة التي أقرها مجلس الوزراء، الخاصة بتوليد الوظائف ومكافحة البطالة، نعم مكافحة البطالة لا تقل أهمية عن مكافحة الفساد، فإذا كان الفساد المالي والإداري ينهش جسد الاقتصاد في أي مجتمع، فإن البطالة تهدد أمنه واستقراره!
لقد نشر موقع بي بي سي أن أكبر البنوك الألمانية، وأحد أهم بنوك أوروبا، وهو «دويتشه بنك» يعتزم إلغاء 15 ألف وظيفة، بعد إعلان خسائر بقيمة 6 مليارات يورو خلال الربع الثالث من العام الجاري، وعلينا أن نتوقع أن البنك استطاع تعويض أداء هؤلاء بالخدمات الإلكترونية، بما فيها من سرعة وسهولة ولا بيروقراطية، وهو ما سأتحدث عنه هنا في مقالي، تلك المعادلة الصعبة بين نجاح الحكومات الإلكترونية في تيسير الخدمات لمواطنيها وسهولة إنجازها، والقضاء على البيروقراطية والفساد، وبين تورطها بازدياد معدلات البطالة بين هؤلاء المواطنين، عند الاستغناء عنهم مقابل حضور التقنية في كل أو معظم أوجه الحياة!
على سبيل المثال، في البنوك المحلية كنا قبل سنوات نجد عشرات الموظفين، يعملون بحماس ونشاط في ردهات البنك، ويقدمون كل الخدمات للعملاء، أما الآن فلا نجد سوى بضعة موظفين، غالبيتهم لا يتقنون الابتسامة وعبارات الترحيب، بل عباراتهم الأثيرة هي «ادخل أون لاين، وخلّص شغلك»، صحيح أننا لم نعد نحتاج الذهاب إلى البنوك والانتظار طويلاً، وإنما ننجز أعمالنا البنكية ونحن على أسرَّتنا وفرشنا الوثيرة، لكن في المقابل هناك عشرات الموظفين فقدوا، وسيفقدون وظائفهم، بسبب الاستغناء عن الإِنسان، من هنا تبدو المحافظة على بقاء الموظف أمرًا صعبًا، فكيف بتوفير وظائف جديدة، وهو الدور المنتظر من هيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة.
ولعل البدايات والإنذار المبكر لهذه البطالة، تمثلت في الاستغناء عن مأمور السنترال في معظم الجهات والشركات والمؤسسات، بجهاز الرد الآلي، فبدلاً من عشرات الموظفين الذين لا يحملون شهادات جامعية، بل حتى أقل من الثانوية، العاملين في قسم السنترال، والقائمين على آلاف الأسر، لم تعد الحاجة إلا إلى مجرد موظف واحد فقط، يجيب في حالة لم يعرف المتصل القيام بالخدمة المطلوبة!
وعلى الرغم من ذلك كلنا ثقة بأن تُمارس هيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة دورها المنتظر، خاصة أن هذه الخطوة تبعتها خطوة أخرى لا تقل أهمية، وهي إنشاء الهيئة العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي هدفها الرئيس دعم الاقتصاد الوطني من خلال دعم هذه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وضمان استمرارها ونموها، وكذلك دور هذه المؤسسات في توفير الوظائف الجديدة، التي ستكون داعمًا رئيسًا لهيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة!
علينا إذن أن نكون أكثر حذرًا تجاه التقنية، ففي الوقت الذي يجب أن نسير فيه بثبات نحو الانضمام إلى مجموعات الحكومات الإلكترونية في العالم، من أجل سهولة الإجراءات، والقضاء على مخلفات البيروقراطية البغيضة من تعطيل وفساد وخلافه، علينا أيضًا أن نبتكر الفرص الوظيفية ونخلقها، بحيث نفتح عينًا على التقنية ونطورها، ونفتح العين الأخرى على البطالة ونقلص معدلاتها.