عبد العزيز صالح الصالح ">
عندما نعرف معنى - الحكمة - فإن الأمر في منتهى السهولة بمكان شأنها في ذلك شأن الكلمات المعرفة معنوياً أمثال العدل والجمال والتعاون والتآلف.... إلخ..
وكل ما يحصل عليه المعرِّف من خصائص ومميزات للكلمة يذكرها.
لقد استطاع البعض من الناس تعريفها تقريبياً فقالوا « نظرة « - عميقة - عملية مباشرة.
وأحياناً يلحظ الحكيم أنه يضيف إلى هذه النظرات الصائبة العمل على وفقها - ويقول الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه - [ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ] لماذا لقمان يطلق عليه حكيما؟ لأنه ينطق بالحكمة ويعمل بها.
فهناك فرقاً كبير بين الفلسفة والحكمة..
فالفلسفة - يطلق عليها بالتفكير المنظم وتبنى مسائلها على أساس منطقي.
والحكمة - فنظرات لامعه خاطفة من هنا وهناك.
فطابع الفلسفة تحليلي تأخذ الفكرة وتحللها وتترجمها إلى اصولها وتبني نتائجها.
أما الحكمة - طابعها تركيبي ترتكز على التجارب في مجملها.
فالفلسفة - تعتمد دائماً على التأمل والتفكير العقلي والقانون المنطقي.
أما الحكمة - فإنها تعتمد دائماً على الإلهام والاستعداد الشخصي.
ولكن ما يلفت للنظر ويبعث على التفكير غزارتها وكثرتها في الامم سواء العربية أو الاسلاميَّة.
فنجد الأمثال والحكم صدرت عن اليونانيين فتلحظ كذلك الكثرة الوافرة من الحكم الهندية.
أمثال كليلة ودمنة والعبرية في كثير من أجزاء التوراة ولعل الأمم السامية في ذلك أوفر حظاً ولعل العرب من بينهم أعلى شاناً فحكمهم تمتاز مع كثرتها بلمعان الفكرة وجزاله العبارة وهذا الامر - يدعو - بحق - إلى التفكير في علة غزارة هذا النوع من الأدب ولعل ما يلفت إلى النظر أيضاً ظهور الأديان العظيمة في مواطن الحكمة.
فالأديان بشكل عام أقرب إلى الحكمة منها إلى الفلسفة.
قد يثار إن كثرة غزارة الحكمة في الأقطار الشرقية وتفوقها على الأقطار الغربية ناتج عن الإلهام - أما الفلسفة ناتجة عن المنطق والتفكير.
وقد يقال إن المرء الشرقي مزاجه تركيبي وأما مزاج الرجل الغربي تحليلي وهكذا حيث ازدهرت الحكمة في الأقطار الشرقية والفلسفة ازدهرت في الأقطار الغربية والحق يقال إن الأدب العربي غني بالحكم.
ومن خلال تنوع مناحي الحياة تبعاً لتنوع مناحي الحكم - من حكم دينية وخلقية واقتصادية واجتماعية وفنية وسياسية - مع الأسف أنها لم تدرس في الأدب العربي كدراسة عميقة - وكذلك الشعر العربي مليء بالحكم العظيمة منذ عهد لبيد وزهير بن أبي سلمى وكذلك أبو العتاهية وكذلك حكم المتنبي القوية والرائعة ولا حكم أبو العلاء المعري اللاذعة الحزينة من خلال ما ذكر آنفاً من ثروة عظيمة من الحكم في الأدب العربي تحتاج إلى تأمل وتفكر منَّا.