د. فوزية البكر
لماذا نتحدث عن المسئولية الاجتماعية؟.. لأنها مهمة جداً في تماسك وبناء المجتمعات الحديثة، وهي تقع على عاتق الجميع، - حكومات ومؤسسات.. قطاعاً خاصاً.. وجمعيات.. ومنظمات المجتمع المدني - كما في حال جمعية مودة التي أرغب في استعراض نشاطها هنا إكمالاً للموضوعين اللذين طُرحا في الأسبوعين الماضيين، وناقشت فيهما آثار الطلاق المدمرة على أجيالنا الشابة التي وصلت نسب الطلاق فيها إلى أكثر من 35%، وبمعدل ثماني حالة طلاق في الساعة الواحدة!؟
لا تستطيع الدولة نفسها مهما بلغت كفاءة طاقمها أن تغطي كافة الاحتياجات المتنوعة والمتغيرة لمجتمعاتنا الحديثة، ومن ثم تبدو مساهمات القطاعات الأخرى - خاصة ومدنية - مهمة جداً، ولنتذكر أن واحدة من كل مؤسسة تعمل في المشروعات ذات المسئولية الاجتماعية في الولايات المتحدة على سبيل المثال، هي مؤسسة غير حكومية، بل جمعيات غير ربحية تعمل لتقديم الخدمات المتنوعة تعليمية وتدريبية وإرشادية وطبية... إلخ، مما يحتاجه المجتمع المحلي الذي تظهر فيه.
لذا فإن ظهور ونجاح جمعية مثل مودة يُعد حدثاً مهماً يجب الإشادة به وتعزيزه.. وهي التي أُنشئت بتاريخ 10/05/1430 كجمعية تنموية متخصصة تُعنى باستقرار الأسرة السعودية وصحتها، كونها اللبنة الأساسية للمجتمع، كما تهدف إلى الحدّ من نسب الطلاق وآثاره في المجتمع.. ومنذ إنشائها، ونظراً للحاجة الملحّة لها وجدت الجمعية نفسها أمام مسئوليات متعددة بشأن موضوع الطلاق، فهل تتناول آثاره على الزوجين والأبناء، أم تتناول قضايا الإصلاح والتوفيق، أم تتناول قضايا الحضانة والنفقة والرؤية للوالدين أم وأباً.. ألف أم تخلقها حالة الطلاق، خصوصاً لنساء هذا المجتمع المكبّلات بحبال غليظة من تقاليد ما أنزل الله بها من سلطان، قد تحرم المرأة مثلاً من رؤية أبنائها، أو قد تعطل الحصول على النفقة حتى لو صدر حكم شرعي بحقها في ذلك، ومن هنا جاءت مشاريعها البحثية والإرشادية للتجاوب مع ما يحتاجه المجتمع مثل:
- مشروع الإجراءات المنظمة للطلاق، وما يترتب عليه للزوجة والأبناء، وهو المشروع المشترك بين عدد من الجهات الخيرية.. مؤسسة الملك خالد الخيرية.. ومؤسسة سلطان بن عبد العزيز الخيرية.. وبرنامج الأمان الأسري الوطني.. وأخيراً جمعية النهضة النسائية، وقامت جمعية مودة باحتضان المشروع ورعايته حتى ظهر إلى النور، بل وفاز بعدد من الجوائز الوطنية المهمة، وتبع ذلك توقيع عدد من الشراكات المهمة وبخاصة مع جامعة الملك سعود لإعداد الدراسات التي تصب في حاجة المجتمع، مما له علاقة بمعالجة مشكلة الطلاق والسعي لإنشاء كرسي بحث بمسمى: «كرسي مودة الخيرية للحدّ من الطلاق وآثاره»، وذلك تحت إشراف الجامعة، كما يتم بالتعاون مع الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان العمل لإصدار تقارير مشتركة حول الواقع الحقوقي الأسري بالمملكة، وأبرز القضايا الأسرية والصعوبات والمشكلات المتعلقة بالقواعد النظامية والإجرائية، ورصد أبرز التطورات عليها، وكذلك دعم مشروع الجمعية الوطنية لتأهيل المقبلين على الزواج، وإعداد حقيبة تدريبية للمقبلين والمقبلات على الزواج، والسعي لإدراج الحقيبة ضمن مواد الخطة الدراسية للسنة التحضيرية بالجامعة.
- مشروع صندوق النفقة والذي يقترح أن يتم الاقتطاع مباشرة من دخل الزوج ليحوّل إلى حساب الزوجة متى ما أقرّ القاضي ذلك والجمعية والذي تبنته وزارة العدل للرفع به إلى مجلس الوزراء لإقراره ضمن الأنظمة المنظمة للطلاق.
- برنامج إنصاف: والذي يسعى إلى رفع الكفاءة العدلية في القضايا الأسرية والزوجية والعمل على تمكين المطلقات وأبنائهن ومن في حكمهن من حقوقهم الشرعية في السكن والحضانة والنفقة والرؤية والأوراق الثبوتية وغيرها من القضايا الأسرية والزوجية من خلال التكامل مع الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني لدعم معالجة الأنظمة وتقليص زمن التقاضي.
- مخاطبة الجهات ذات العلاقة مثل: وزارة العدل، وذلك لإنشاء مكاتب للخدمة الاجتماعية، وأقسام للصلح بمحاكم الأحوال الشخصية، والاسترشاد بتوصيات الدراسات في ما يخص تنظيم هذه المكاتب لتحقق أهدافها العدلية.
- تبني الوزارة لتوصية الدراسة بالاستعلام عن الخاطبين عن طريق تزويد مأذوني الأنكحة بمعلومات الحالة الاجتماعية والسجل القضائي لطرفي عقد النكاح.
- مشروع بيت مودة للزيارة الأسرية: ويهدف إلى تفعيل حقوق الحضانة والزيارة خلال استضافة، وزيارة المحضونين (أطفال الأسر المنفصلة) في مكان ملائم اجتماعياً ونفسياً وأمنياً.
- خدمات تقديم الاستشارات القانونية المجانية في قضايا (الحضانة والضم والزيارة)، بل وإبداء الآراء القانونية المتخصصة المكتوبة والشفهية مجاناً لطالبيها في قضايا الضم والزيارة والنفقة.
- مشروع ستر: ويهدف للتنسيق بين بعض القطاعات الحكومية والأهلية لتوفير مساكن مؤقتة لإيواء ذوات الحاجة من المطلقات ومن في حكمهن وأبنائهن إيواء مؤقتاً.
ومع زخم وجدة هذه المشروعات الرائدة التي تولتها جمعية مودة، إلا أن هذا لم يمنعها من معالجة بعض الحالات التي تتطلب تدخلاً سريعاً ومباشراً من مثل: تقديم معونة تسديد إيجار مساكن، أو تمليك لبعض المستفيدات من خدمات الجمعية، أو توقيع مذكرات تفاهم مع بعض الشركات المتخصصة في التوظيف النسائي مثل جلو ورك للمساعدة في توفير فرص عمل لمستفيدات الجمعية تلائم مؤهلاتهن، وتحقق لهن التنمية الاقتصادية والاكتفاء الذاتي.
أهمية جمعية مثل مودة أنها ظهرت من خلال جهود أهلية مباشرة ولم تقف مؤسساتها فقط على أطلال أعمال الأجهزة الحكومية لينتقدن وينتقدن دون أن يعملن شيئاً. لقد قررن أن زمن الكلام قد ولّى وأن الساحة مفتوحة للعمل الجاد الذي يشعر المحتاجون بأثره المباشر، ودعم ذلك مباركة الجهات المختلفة أهلية وحكومية وخاصة، سواء كان ذلك على شكل تسهيل مهمات، أو دعم مالي، أو لوجستي.
جمعية مودة للحدّ من الطلاق وآثاره.. نموذج متفرّد لجمعيات المجتمع المدني التي تدعم الجهود الحكومية في مجال تحقيق أمن المجتمع واستقراره، وقد حالفها الحظ بدعم قيادات أهلية وحكومية وأكاديمية ساهمت في تطوير برامجها لتلامس بشفافية عالية الاحتياجات الحقيقية للمجتمع المحلي، وبخاصة للفئات الأضعف، وهن النساء المطلقات وأطفالهن، لكن المحزن أن خدمات هذه الجمعية تقتصر في الغالب الأعم على المدن الكبرى، ولا تصل إلى الأكثر حاجة، وهن النساء والأطفال في المناطق النائية، وكم نحن بحاجة إلى تكرار نموذج مودة المتفرّد في كل مناطق المملكة.