د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
الاتحاد الأوروبي بين خفض معدل الفائدة وتمديد برنامج التيسير الكمي البالغ 1.1 تريليون يورو، هناك مختصون يشككون في قدرة سياسة التيسير الكمي التي تبناها البنك المركزي الأوروبي في مارس 2015 في شراء ما قيمته 60 مليار يورو شهريًا من السندات السيادية للدول الأعضاء في البنك في تحريك اقتصاديات اليورو الراكدة بسبب أن هناك مجموعة عوامل أضعفت فعاليته رغم مرور ثمانية أشهر على تطبيقه حتى نهاية أكتوبر 2015.
وهناك عدد من التساؤلات منها، لماذا لم تفلح سياسة التيسير الكمي من أن تسهم بفاعلية كبيرة في تحفيز النمو الاقتصادي في أوروبا؟، مثلما نجحت تلك السياسة في الولايات المتحدة التي تبناها المجلس الاحتياطي الفيدرالي ونجاحها في إخراج الاقتصاد الأمريكي من أزمته بشكل كبير.
بعض الاقتصاديين يرون أن 60 مليار يورو شهريًا لم تكن كافية حتى تكون رافعة لإنعاش الاقتصاديات الأوروبية، لكنّ هناك آخرين يرون أن هناك عوامل خارجية أثرت في تراجع الصادرات، أبرزها تراجع النمو الاقتصادي في الصين والاقتصاديات الناشئة.
انخفاض الصادرات الأوروبية خاصة من ألمانيا عمقت من الركود وانخفاض معدلات التضخم التي وصلت في سبتمبر 2015 بنحو 0.1 في المائة مقارنة بالعام الذي يسبقه، يضع البنك المركزي أمام تمديد البرنامج حتى منتصف 2018 ليصل إجمالي المبلغ المستثمر فيه نحو 2.4 تريليون يورو يعادل 2.7 تريليون دولار، بالرغم من أن هناك دولاً مثل النمسا التي تتحدث نيابة عن ألمانيا وهولندا وليتوانيا رفضها لقرار تمديد برنامج التيسير الكمي.
ومن أجل تفادي حدوث صدمة اقتصادية داخلية في بلدان منطقة اليورو يتطلب تعزيز الاستهلاك الداخلي باعتباره المحرك الأساسي لاستعادة الانتعاش الاقتصادي والمالي المفقودين وهو العامل الحاسم لإخراج أوروبا من الركود الراهن بسبب أن النشاط الاقتصادي في منطقة اليورو كان ثابتًا مع انخفاض طفيف في الربع الثاني لعام 2015.
وليس أمام المركزي الأوروبي غير مواصلة سياسة التيسير الكمي، وتعزيزها، وستتلاشى المعارضة الألمانية، خصوصًا بعدما كشفت البيانات الإحصائية أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في برلين عام 2017 لن يتجاوز 0.9 في المائة ولربما يكون أقل في منطقة اليورو، وليس أمام المركزي الأوروبي آليات مالية أخرى، خصوصًا أن خفض معدل الفائدة خطوة من الصعب الإقدام عليها في ظل مستويات الفائدة الأوروبية الراهنة التي تعد في أدنى مستوياتها.
برنامج التسهيل الكمي كان ناجحًا بشكل واضح في فتح تدفق الائتمان في جنوب أوروبا وفي إيطاليا على وجه الخصوص، والهدف من البرنامج كان لرفع معدل التضخم الرئيس إلى المستوى الذي يستهدفه البنك المركزي الأوروبي قريب من 2 في المائة ولكنه لم يتحقق، لكن كان معدل التضخم الرئيس السنوي سالب 0.1 في المائة، والمعدل الأساسي الذي يستبعد الطاقة والمواد الغذائية كان 0.6 في المائة، هذه الأرقام ارتفعت بنسبة 0.3 و0.4 نقطة مئوية على التوالي.
استخدمت المصارف الأموال من السندات الحكومية التي باعتها إلى البنك المركزي الأوروبي لتقديم القروض إلى الشركات والمستهلكين، أي أنه أنهى الأزمة الائتمانية وساعد أيضًا على تنشيط سوق المال في منطقة اليورو.
إذا كان برنامج التسهيل الكمي سيرفع معدل التضخم بمقدار نقطتين أو ثلاث نقاط عشرية كل ستة أشهر، ربما سيكون قد أنجز مهمته بعد ثلاثة أعوام، في هذه الحالة سيكون من الأفضل الاستمرار في برنامج التسهيل الكمي حتى يتم إنجاز المهمة.
الأوروبيون يحاربون سياسة التقشف، ويرفضون استخدام الشعارات البالية، ويعتبرون أنه قد حان الوقت لتطوير أفكار حول كيفية تحقيق أولويات للحصول على نمو مشترك أسرع على نطاق أوسع، والتعامل مع العجز من خلال زيادة الضرائب على الشركات والأغنياء من خلال إنشاء دولة ريادة الأعمال لتعزيز النمو.
التوجه نحو ضبط الأوضاع المالية، فمثلاً في بريطانيا بلغ الإنفاق العام عام 2009-2010 نحو 45.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لميزانية العام 2019-2020 سيكون الإنفاق قد انخفض إلى 36.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي سيكون أقل بكثير من المستويات في ألمانيا مثلاً.
هناك أفكار عديدة يطرحها حزب العمال في بريطانيا منها إعادة النظر في وزارة الخزانة وبنك إنجلترا، ويطالب بدفع تخطيط الاستثمارات في القطاع العام إلى هيئة مستقلة، وهناك نقاش حول استبدال هدف التضخم بهدف الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، بل يرى الحزب أن التحويلات المالية المباشرة إلى الجمهور يمكن أن تكون فعالة أكثر من شراء الأصول، وهذا يقتضي التعاون مع الحكومة، لكن البعض الآخر يرها خيارات متطرفة.