مواطن القوة والفرص في الاقتصاد السعودي في 2016م ">
وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية - الجزيرة:
توقعت إدارة معلومات الطاقة حدوث انخفاض ملحوظ لإنتاج النفط الأمريكي عام 2016، ورفعت توقعاتها لمتوسط سعر خام برنت خلال العام الحالي سيكون حول 54 دولاراً للبرميل دون تغيير، و56 دولاراً عام 2016م بانخفاض دولارين عن توقعها في تقرير سبتمبر، وهو ما يعطي مؤشرات حول بداية توقعات صعود حقيقي لأسعار النفط خلال العام المقبل 2016م.
أما بالنسبة للحديث المسيطر على الساحة الاقتصادية المحلية الآن، فيتمثل في ثلاثة مواضيع: الإنفاق الحكومي للعام المقبل وتقديراته، والإسكان وسبل حل أزمته، ورسوم الأراضي البيضاء.. والملاحظ في الأمر أن تلك المواضيع مرتبطة ببعضها بشكل أو بآخر، فالإنفاق الحكومي هو المحرك لقاطرة النمو في الاقتصاد الوطني، والإسكان مصدر طلب اقتصادي واسع وقادر على تحريك هذه القاطرة، ورسوم الأراضي البيضاء هي الباعث على تحريك الراكد في القطاع العقاري ككل.
فالاقتصاد الوطني لديه مصدر طلب ضخم وهائل يتمثل في الطلب على المساكن وخاصة أن هذا الطلب ليس وليد اللحظة ولكنه متراكم من سنوات طويلة، ويصل على أقل تقدير إلى نحو المليون وحدة، ولكن هذا الطلب ينتظر الدعم الحكومي.. وهذا الطلب قادر على تحريك قطاع المقاولات والبناء والتشييد وبالتالي قادر على خلق دورة اقتصادية كاملة بالاقتصاد الوطني.. إلا أن هذا الطلب مرتبط بالإنفاق الحكومي في جزء كبير منه.. وجوهر الجدل في الأوساط الاقتصادية الآن يدور حول: تقديرات هذا الإنفاق الحكومي ومصادر تمويلها.
السؤال الذي يثير نفسه: إذا كان النشاط الاقتصادي وكل التوسعات في الدورات الاقتصادية السابقة بالمملكة اعتادت على تلقيم وقودها بالانفاق الحكومي، فهل بالفعل لا يوجد سواه كلقيم؟.. وكيف تسير الدول الأخرى التي لا تمتلك إيرادات نفطية ولا تمتلك مصادر دخل حكومية عالية؟.. وهل لا يوجد سوى السياسات المالية التي تقوم على التوسع بالانفاق الحكومي؟.. وإذا كان توجد أدوات أخرى محركة للنشاط الاقتصادي، فما هي؟.. وما هي الخيارات الأخرى المتاحة بالاقتصاد السعودي؟.
خيارات الأدوات المالية والنقدية الأخرى المتاحة
في النظرية الاقتصادية يوجد سياستين اقتصاديتين قادرتين على تحريك دورة النشاط الاقتصادي سواء صعودا أو هبوطاً في أي دولة، ولكل سياسة أدواتها. فنجد أن أدوات السياسة المالية: الإنفاق الحكومي، والضرائب والرسوم الأخرى. أما أدوات السياسة النقدية فهي: سياسة السوق المفتوح، نسبة الاحتياطي القانوني، ومعدل الخضم.
فإذا افترضنا أن اقتصاداً ما يعاني من حالة ركود فإنه مخير بالاختيار بين اتباع سياسات مالية أو نقدية توسعية.. بحيث تقوم الدولة بزيادة الإنفاق الحكومي أو تخفيض الضرائب مما يؤدي إلى زيادة الإنفاق الكلي وبالتالي إحداث التوسع (من خلال تطبيق سياسة مالية).. أو يمكن تطبيق سياسة نقدية توسعية من خلال تقليص نسبة الاحتياطي القانوني أو دخول الدولة كمشترٍ للأوراق المالية (عمليات السوق المفتوحة) أو تقليص معدل الخصم والذي يؤدي إلى انخفاض سعر الفائدة مما يؤدي إلى زيادة الاستثمار وارتفاع الطلب الكلي.
الإنفاق الحكومي ليس كل شيء
البعض يعتقد أنه لا توجد أدوات أخرى قادرة على تحريك الطلب الكلي سوى بالإنفاق الحكومي.. بل البعض يبالغ بعدم جدوى أدوات السياسة الاقتصادية الأخرى.. وهذا غير صحيح تماماً.. فلكل اقتصاد وطني أدوات السياسة الاقتصادية المناسبة له.. بل حتى تلك الأدوات المناسبة لفترة معين ربما لا تكون مناسبة لفترات أخرى.. وهذه الأدوات ترتبط مناسبتها بطبيعة المرحلة الاقتصادية التي يمر بها الاقتصاد الوطني.
الادخار المحلي.. أداة اقتصادية هامة ومحرك قوي للنشاط
تقوم العديد من النظريات الاقتصادية على منطوق أن الادخار المحلي هو المحرك للاستثمار وبالتالي هو المحرك الرئيس للطلب.. بل إن هذا المنطق يرتبط بالدول المتقدمة أكثر من ارتباطه بالدول النامية، حيث يعتبر الإدخار أداة رئيسية للنمو الاقتصادي التلقائي.. فالدولة التي تصل إلى حد تمويل وتعبئة التنمية من خلال الادخار المحلي أفضل كثيراً وتوصف بأنها دخلت في نطاق النمو التلقائي أكثر من تلك الدول التي تقوم بتمويل التنمية بالإنفاق الحكومي.. ونسعى هنا لاستعراض قوة المدخرات المحلية بالاقتصاد السعودي ومدى إمكانية تمويلها لعمليات التنمية وقيادة الطلب الكلي!.
ووصل حجم المدخرات المحلية بالمملكة في نهاية العام الماضي إلى نحو 399 مليار ريال، وهي أموال لو تم اتخاذها كأداة للسياسة الاقتصادية المحلية لتحولت إلى استثمارات وبالتالي تحولت إلى طلب كلي.. هذه المدخرات كفيلة وتمثل خياراً إستراتيجياً لتمويل عمليات التنمية.
وجدير بالذكر أن هذه الودائع الإدخارية جاءت وتم ادخارها في الجهاز المصرفي رغم انخفاض معدل العائد على هذا النوع الهام من الودائع.. وفي اعتقاد -وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية بـ»الجزيرة»- أن هذه الودائع لو تم استهدافها برفع معدلات العائد على الودائع الزمنية والادخارية بالمملكة ربما تضاعفت وسحبت جزءاً هاماً من الودائع تحت الطلب وأيضاً من النقدية خارج المصارف.. فهذه الودائع تم إيداعها بالجهاز المصرفي رغم الانخفاض في معدلات العائد عليها.
النقد المتداول خارج المصارف
وصل حجم النقد المتداول خارج المصارف في نهاية 2014 إلى نحو 154 مليار ريال.. وهذا الرقم لو وزع على عدد السكان لاكتشفنا أن كل أسرة على أرض المملكة تحمل نقدية في حدود 40 ألف ريال، وهو رقم مرتفع ويمكن استغلاله لو وجد المحفزات المناسبة.. وتشير التقديرات الآن إلى وصول حجم النقدية خارج المصارف إلى نحو 175 مليار ريال في نهاية عام 2015، وهو رقم ضخم وهائل ويمكن بسهولة استغلاله بوضع المحفزات.
إستراتيجية وطنية للادخار بالمملكة
طرحت مؤخراً الإستراتيجية الوطنية للادخار والتي تسعى لأول مرة لبناء إستراتيجية متكاملة للإدخار المحلي وكيفية استغلاله وتوجيهه لخدمة معطيات التنمية الاقتصادية، وذلك كأحد أهم الأدوات النقدية المتاحة بالسوق المحلية.. إننا نتحدث عن أداة اقتصادية غير مكلفة للدولة وتدخل في سياق عمليات النمو الاقتصادي التلقائي والتي تحقق التنمية المستدامة دونما التأثر بالمعطيات الخارجية المرتبطة بأسعار النفط التي تتحرك بناء على قوى العرض والطلب في السوق العالمية.