فضل بن سعد البوعينين
يبدو أن الملفات السياسية ستفرض نفسها على قمة العشرين، في الوقت الذي ستعزز فيه «عملية باريس» الإرهابية ملف مكافحة الإرهاب وهو أحد الملفات الأربعة الرئيسة في القمة. تداخل السياسة والاقتصاد حال دون تخصيص القمة للشؤون الاقتصادية، في الوقت الذي سيشكل فيه تواجد زعماء العالم، الأكثر نفوذاً، فرصة لمناقشة قضايا شائكة تستوجب اللقاءات المتكررة والموسعة.
وجود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في «أنطاليا» ربما عجل في إنهاء بعض الملفات السياسية العالقة، وفي مقدمتها القضية السورية. مساعد الرئيس الروسي للشؤون الخارجية، يوري أوشاكوف، أكد أن الرئيس فلاديمير بوتين سيلتقي خادم الحرمين الشريفين، ومن المعتقد أن تكون هناك لقاءات رئاسية أخرى تُعقد على هامش القمة.
قد يكون الملف السوري الأكثر مداولة بين الزعماء، لما له من تأثير على أمن واستقرار المنطقة، ولتبعاته المتشعبة على دول الاتحاد الأوربي التي تعاني من تدفق كبير للاجئين، وأحسب أنه محور اهتمام المملكة التي قدمت الحلول العملية لإنهاء الأزمة السورية في بداياتها، غير أن تقاعس الغرب في تبني وجهة النظر السعودية أسهم بشكل مباشر في تمددها ووصولها الدول الأوربية التي ظنت أنها في مأمن من تداعياتها.
يفترض أن تركز مباحثات قضية اللاجئين على معالجة مسبباتها لا انعكاساتها على الدول الحاضنة لهم . فما يحدث في سوريا من إرهاب دولي منظم تقوده إيران بغطاء من الرئيس الأسد هو المسؤول عن نزوح شعب بأكمله بحثاً عن الأمن والعيش الكريم.
أحسب أن ملفي الإرهاب واللاجئين على علاقة مباشرة بالأزمة السورية التي أهمل الغرب علاجها حتى باتت تهدد أمن واستقرار العالم. تستوجب معالجة قضيتي «الإرهاب واللاجئين» معالجة جذورها أولاً، وبما يضمن خروج الأسد، وعودة اللاجئين إلى وطنهم، والقضاء النهائي على «داعش» وجماعات الإرهاب الأخرى.
لم يكن ملف اللاجئين ليظهر لو تحملت الدول الغربية مسؤولياتها تجاه الأزمة، ودعمت الحلول العملية التي طرحتها المملكة. الأمر عينه ينطبق على ملف الإرهاب، الذي حذرت منه وطالبت المجتمع الدولي بمحاربته قبل أن يصل إليهم. تمدد الإرهاب الداعشي ليصل أوروبا التي اعتقدت بقدرتها على محاصرته في الحدود السورية العراقية.
الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، انتقد قبل أيام «جميع الدول والمؤسسات التي تمتلك القدرة على إنهاء معاناة السوريين، ولم تقم بذلك، ووجه اتهامه إلى مجلس الأمن حين قال: «من غير الممكن تبرئة كيان لم يتحرك حين قتل آلاف الأبرياء في سوريا، أمام الضمير الإنساني».
الحقيقة أن الغرب لم يتحرك في القضية السورية إلا بعد أن تعرض لشظاياها. وعلى العكس من ذلك تحملت المملكة مسؤويلاتها تجاه الأزمة، وتجاه اللاجئين السوريين، فدفعت بقوة نحو معالجتها لضمان عودة الأمن والاستقرار، و إنهاء معاناة الشعب السوري، ووقف تهجيرهم، وعودة المهاجرين إلى وطنهم بسلام. نجحت المملكة في إيواء ما يقرب من 2.5 مليون سوري ودمجهم في المجتمع، وسمحت لهم بمزاولة العمل، وفتحت قطاعات التعليم لأبنائهم، ووفرت العلاج لهم وأنفقت أكثر من 700 مليون دولار على البرامج الإغاثية، بخلاف تحملها بناء و تمويل مخيمات اللاجئين في بعض الدول العربية.
تأتي المملكة إلى اجتماع قمة العشرين بملفها المكتمل حيال قضية اللاجئين، وبمشروعها الأمني والإنساني الضامن، بعد توفيق الله، معالجة الأزمة السورية من جذورها، وفق رؤية شمولية تحقق الأمن والاستقرار للمنطقة.