هاني سالم مسهور
في نهاية نوفمبر 2015م يفترض أن يجلس الفرقاء اليمنيون على طاولة التفاوض سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، غير أن الأهم أنه في موعد محدد سيذهب اليمنيون ليتشاوروا كيف يمكنهم تنفيذ القرار الأممي 2216، هذا القرار الذي استجاب له الحوثيون وشريكهم المخلوع علي عبدالله صالح بعد أن أكدوا للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون (خطياً) موافقتهم على تنفيذه، مما يفتح ثغرة في أفق سياسي لطالما كان مسدوداً بفعل الجمود السياسي المصنوع منذ اسقاط العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014م.
تساؤل يوضع سياسياً بمقدار كل المرحلة العاصفة التي عرفها اليمن على مدار أكثر من عام كامل، مضمون التساؤل «ما هو الثمن الذي يرتضيه الحوثيون في مقابل انسحابهم من العاصمة صنعاء؟». بموضوعية كاملة لا يمكننا الوثوق في طرف وجد من خلال السياسة نفسه شريكاً في المشهد السياسي، ثم أصبح مستحوذاً على كامل القرار السياسي في اليمن، الحوثيون في المعادلة اليوم لا يمكن أبداً إعادتهم إلى ما قبل احتلالهم صنعاء، كما لا يمكننا أبداً إعادتهم إلى ما قبل مارس 2013م، عندما دخلوا إلى مؤتمر الحوار الوطني بموجب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
اختلفت الأحجام حتى وإن كنا من خلال القانون الدولي والدستور اليمني نعتبر الحوثيين (انقلابيين)، فالورقة الضاغطة على الشرعية السياسية التي يمثلها الرئيس عبدربه منصور هادي تبقى في امتلاكهم للعاصمة السياسية، وما تبقى من رصيد مالي نقدي في البنك المركزي اليمني، وما تبقى من سلاح لجيش مفتت، وما تبقى من بصيص أمل لشعب لم يعرف رخاء حتى بعد ثورته السبتمبرية، الأحجام اختلفت والواقع على الأرض أيضاً مختلف فالتحالف العربي نجح في استعادة ثلثي مساحة اليمن وبقي اليمن الأكثر صعوبة في تضاريسه الجغرافية على السياسيين اليمنيين استعادته سياسياً في مهمة عسيرة.
الحوثيون فقدوا كل المنافذ البحرية، والأهم أنهم فقدوا باب المندب الذي يعد البُعد الاستراتيجي الأهم في منظور الأمن القومي العربي والذي نجحت فيه قوات التحالف العربية من تحييده بمعركة فيها أبعاد لا يعيها الحوثيون، كما أن الطرف الانقلابي لا يملك موارد نفطية بعد أن سيطر التحالف العربي على منابع النفط والغاز الرئيسية في محافظة مأرب، مما يضع الحوثيين في مأزق صعب على طاولة المفاوضات.
في المقابل لا يمكننا تجاهل اخفاقات الشرعية اليمنية في ملفات رئيسية اهمها على الإطلاق عدم قدرتها على دمج المقاومة الجنوبية في الجيش الوطني، وعجزها عن توفير الأمن داخل المدن المحررة، وفقدانها المبادرة التنموية، اخفاقات كثيرة في هذه الجوانب تنعكس على الجوانب السياسية، فعلى الرغم من أن عاصمة الجنوب عدن تم تحريرها منذ 14 يوليو فلم تجد الحكومة اليمنية موقعاً ملائماً لإدارة البلاد وبقيت تمارس نشاطها من المنفى.
يحسب للرئيس عبدربه منصور هادي استجابته المستمرة لدعوات وقف إطلاق النار، ونتذكر مشاركة الشرعية في مفاوضات (جنيف 1) في يونيو الماضي على رغم كل الاعتراضات التي أبدتها القوى السياسية لانعدام الثقة في الأجندة السابقة، كما يحسب للحكومة اليمنية أنها شكلت وفداً رفيعاً لمفاوضات ( جنيف 2 ) وهو ما يوحي عملياً بأن الحكومة اليمنية عازمة على المضي في معركتها السياسية مع الحوثيين وشريكهم المخلوع صالح، خاصة وأنها تستند للقرار الدولي 2216 وإلى المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وإلى مقررات القمة العربية، ويضاف لذلك إعلان الرياض الصادر عن القمة العربية اللاتينية، وهي حزمة قرارات واضحة تعزز للمفاوض اليمني موقعه على طاولة المفاوضات.
ومن الأهم ألا نتغافل عن وجود الأصابع الإيرانية التي ستكون من المؤكد حاضرة وراء الستائر لتجد للحوثيين مواقع أخرى في لعبة الكراسي اليمنية والتي ستكون حافلة بكثير من التضادات التي يمكن أن تدفع دائماً للمصادمات بين الأطراف اليمنية، خاصة وان اليمنيين لطالما خرجوا من حواراتهم السياسية إلى مواجهات مسلحة في ظل تغييب لمصلحة اليمن كوطن يمكن أن يكون جامعاً لأبنائه جميعاً متى ما ابتعدوا عن المحاصصة الحزبية والتمترس وراء الأجندات الخاصة التي تنتمي عادةً للقبيلة والمذهبية والمناطقية.