د. محمد بن عبدالله السيف ">
«عاد تبغى الحقيقة؟.. نحن في القصيم محظوظون بهالأمير» كلمات قالها لي أحد الشباب من محافظة المذنب ونحن على مائدة العشاء بعد اللقاء الثري التفاعلي والعرس الشبابي الذي عقده صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم مع الشباب ليلة الثلاثاء الموافق 14-1-1437هـ في قصر الضيافة ببريدة واستمر لأكثر من ساعتين بحضور أكثر من خمسمائة شاب من مختلف القطاعات.
وقد تشرفت بأن أكون أحد الحاضرين لهذا اللقاء بدعوة كريمة من سموه الكريم مع شباب أكاديمية قادة المستقبل التابعة لجمعية أسرة ببريدة ضمن شباب القطاعات التعليمية والتربوية والمهنية. وهذه الكلمات الآنفة الذكر التي باح لي بها شاب لا أعرفه ولا يعرفني هي في الحقيقة صدى مشاعر كل الشباب في هذه الليلة، حيث استرسل الشاب يذكر من سمات شخصية سموه ومكانته عند الشباب قبل الكبار، هذه الكلمات والمشاعر نسميها في عالم التخطيط (قياس الأثر) وهي أن نعرف أثر الخدمة على المستفيد وتقييمها لها، وهي أقوى معايير تقييم الأداء لأي مشروع أو مبادرة.. مما حداني محبتي لسموه وللوطن وللشباب أن أحاول أن أشارك في التقييم لهذا اللقاء على أبعاده الثلاثة:
الأول: أداء الأمير وإدارته لهذا اللقاء: كم تمنيت بعد ختام اللقاء أنه لو دعي جميع مسؤولي الجهات الحكومية والخيرية ومؤسسات النفع العام لحضور اللقاء لنعرف جميعاً الإستراتيجية والأسلوب الناجح والواجب في التعامل بين المسؤول والمواطن، بل لا أبالغ ولا أجامل لو قلت إننا كنا في تلك الليلية وذلك اللقاء دورة تطبيقية عن (فن التعامل والتواصل مع المواطن عموماً والشباب خصوصاً) فارسها ومدربها سموه الكريم، حيث رأينا الابتسامة المبتهجة التي لم تغب لحظة واحدة بين الأب وأبنائه، رأينا الدعوة إلى المشاركة وإبداء الرأي والمداخلات، رأينا التشجيع على الصراحة والشفافية والبعد عن الرسمية، باختصار رأينا: الحنان الأبوي. بل عجبنا من رحابة صدر سموه على كثرة الطلبات التي بدت عليها في بعض الأحيان عفوية الشباب وبساطة طرح بعضهم، حتى لربما سأل بعضهم فقلنا (ليته سكت) إما لتكسّر مقالته، أو لأنه يعبر عن طلب شخصي خاص أو مشكلة مع مدرسته أو كليته أو يسترسل في شرح فكرة واضحة وصلت من أول كلماته فإذا بسموه يستقبل السؤال وكأنه مشكلة كل البلد ويستفسر عن جزئياتها سؤال الجاد في حلها، وربما وجّه المسؤول المختص بالنظر فيها وإفادته بما يتم.
حتى وصل بتبسط الشباب وارتياحهم بعد اللقاء ومن عريسه أن نسي المراسم المتبعة والبروتوكول المعتاد في مثل هذه المناسبات، فتبسطوا في التجمع حول سموه في التصوير الجماعي والفردي وأطال الوقوف معهم والسلام عليهم حتى قلت أحدنا: نسي الشباب أنه مع أمير وكأنه مع داعية أو لاعب رياضي.
وما دعوة سموه للشباب لعقد اللقاء في قصر ضيافة سموه إلا إيحاء من البداية على احترامه لهم وتقديره والرغبة في أن يكون اللقاء مثمراً فاعلاً، إذ كان متوقعاً أن يعقد اللقاء داخل كلياتهم ومدارسهم أو في القاعات العامة أو في المركز الحضاري، بل جلوسه معهم على طاولة طعام واحدة هي رسالة أخرى أصابت الهدف بدقة كما لمستها في مشاعر.
البعد الثاني: مشاركات الشباب وتفاعلهم: من المسلمات في عالم تقييم الثروات لدى الأمم والدول أن الشباب هو الثروة المستدامة البانية والحامية بإذن الله.
ومن هنا فحق لهذه البلاد المباركة أن تفخر بهذه الثروة التي غبطتها عليها الأمم، وما هذا اللقاء من رأس الهرم في المنطقة والحاكم الإداري فيها وهذه الإدارة الناجحة له إلا إيمان من قادة البلاد بضرورة الاستثمار الحقيقي والفعلي لهذه الثروة.
ولقد كشف اللقاء عن إيحاءات مهمة في تطور تفكير الشباب وعقلياتهم يجب التعامل معها بمصداقية نحو توجيهها الوجهة الصحيحة. فالشباب أصبحنا بحاجة أن نفهمه أكثر من ذي قبل، جيل قادم بثقة وبجرأة وبمنطقية.
سمعت مداخلة أحد الشباب في هذا اللقاء يحصي بالتاريخ واليوم عن لقاء سابق مع بعض المسؤولين وكيف أنه وعدهم بإنجاز طلبهم ومع ذلك لم يتم. فما عادت تمشي مع شباب اليوم سياسة (التسليك) كما يعبرون عنها الشباب، بل أصبح ينتظر التنفيذ مباشرة أو الاعتذار المبرر.
الشباب أصبح يتحدث عن قضايا البلد وكأنه أكبر مسؤوليها، وأصبح يدلي بالحلول والبدائل وكأنه أخبر مستشاريها، وهذا تطور إيجابي كبير حريّ استثماره. الشباب اليوم يواجه متغيرات سريعة ويتلقى ضخاً إعلامياً كبيراً منه السلبي الهادم وقليل منه الإيجابي والمعزز لقيمه الدينية والوطنية، لذا يجب أن نهيّئ له في الواقع من البرامج والمشاريع وفتح الأبواب والاستماع له وحسن الحوار ما يعزز هذه القيم ويكذّب ما يشوش به عليه.
البعد الثالث: إعلان المبادرات الشبابية: من المبشرات في هذا اللقاء إعلان سموه الكريم عن المجالس الشبابية التي وجّه بتفعيلها في كل مدينة ومحافظة في المنطقة حسب آلية يعلن عنها، وهي خطوة جبارة فاعلة نحو الاحتواء والاستثمار الحقيقي لهذه الثروة الغالية وسماع صوتها ومطلبها.
وليسمح لي سموه الكريم ببعض المقترحات نحو تفعيل هذه المجالس:
- ومنها أن تكون لهذه المجالس أمانة موحدة عامة تضمن تحقيق أهدافها التي أقيمت له، ومن أدوارها إصباغ الرسمية والأهمية لدى الجهات الحكومية الأخرى.
- ومنها أن تضمّ هذه المجالس من الكفاءات الناجحة في العمل الشبابي سواء من العاملين في الأندية الطلابية بالجامعة أو مشرفي النشاط في إدارة التعليم أو حتى الكفاءات الرياضية الحيادية. وبكل شفافية أن نقول: إن مما أعاق مسيرة بعض البرامج الشبابية السابقة هو إسنادها إلى شخصيات قد تكون ناجحة في مجالها الإداري أو التجاري لكنها ليس لها تاريخ أو واقع مع الشباب، فتحولت إلى بهرجات إعلامية ومصالح شخصية أو تحجير لها على جهة أو مؤسسة واحدة، مما حدى بالشباب أن يولو مدبرين ولم يعقبوا.
- ومنها أن تكون إدارة سموه لهذا اللقاء الشبابي في تلك الليلة نموذجاً يحتذي في إدارة قادم اللقاءات في المجالس الشبابية من قبل المسؤولين الآخرين، حيث اللغة الأبوية الحانية، والابتسامة الصادقة، والترحيب بالشفافية وإتاحة المناخ المشجع على النقد البناء، لقد أحس الشباب بقيمتهم لدى قادة البلاد وهم يسمعون كلامات اللطف الأبوي «سم، يا وليدي تفضل «، « أبشر، عدّ الموضوع منتهي»، «أنا اللي تشرفت بكم»، «خذوا راحتكم، ودنا بالصراحة والشفافية»، «قل اللي بخاطرك» «جئنا لنسمع منكم»، «أنا أتفق معك تماماً»، «وأنا أضم صوتي إلى صوتك».. وغيرها من اللفتات الأبوية، التي على الرغم من رهبة مجلس الأمير وحضور جمع من مديري الجهات الحكومية بالمنطقة والصالة غصت بالحضور من الشباب إلا أنها خلقت جواً مريحاً آمناً جرأت الشباب على المشاركة، بل والنقد الصريح وإحساسهم أنهم أمام دعوة وتطبيقها حتى باحوا بما في صدورهم، من هنا قلت: هكذا فلتكن اللقاءات الشبابية وإلا فلا.
إن الشباب لم يعد يلتفت أو تؤثر فيه لغة المعلّم وهو المتعلم، أو المحقق وهو المتّهم ،كما لا زال ذلك مستعملاً في بعض منابر التأثير، والتي نسمع فيها صوتاً واحداً فقط، ملق ومستمع ولا غير، للأسف إن بعض المعالجات للانحرافات الفكرية أو السلوكية قد تزيده ونحن نظن أنها تعالجه كالمتطبب الذي يزيل أثر الجرح من فوق السطح فإذا به ينكفئ إلى الداخل ويعيث في الجسد فساداً، بسبب اللغة الاتهامية والهجومية والتجريح المباشر وعدم الاستماع الحقيقي.. -أقول الحقيقي لأن كلاً منا يدعي هذا الاستماع- للشباب.
وكم هو مؤسف أسلوب بعض المحاضرين في اللقاءات الشبابية الذي يخاطب الشباب وكأنهم رؤوس الشياطين، أو كأنه يعلم، وهم يجهلون، وكأنه يخلص وهم يغدرون، وكأنه يعطي وهم يأخذون، فأسلوبه اعلموا واحذروا واجتنبوا وابتعدوا طوال ستين دقيقة أو تزيد، ولا تسمع منهم قولاً، لذا لا يكترث الشباب بمثل هذه اللقاءات، بل يتهربون منها وإن حضروها مكرهين يحضرون بأجساد دون أرواح، بل حينا طلبت من بعضهم بالحضور لأحد هذه المحاضرات قال: أعرف كل الذي سيقال.
إننا مهما كانت قدراتنا العلمية والأكاديمية والوظيفية والأمنية لن نجد أنجع من أن نوظّف الشباب مع الشباب أنفسهم في معالجة الجنوح والسلوكيات الخطرة سواء في الغلو والتكفير أو الضياع الأخلاقي، ولماذا؟.. بكل بساطة لأن الشاب يستأمن من زميله ما لا يستأمن من غيره، ولأنه يعلم أنه بإمكانه أن يبوح بكل ما بنفسه دون خطر عليه، فإذا زودنا الشاب المستمع بآليات الإقناع والثقة والحوار استطاع أن يؤثر على الشاب الملقي بكل قوة.
إني أجزم أن سموه لم يجعل في حسبانه أن يحتوي الشباب فقط، بل وأراد أن يوصل رسالة إلى كل من يتعامل مع الشباب أو يلتقيهم، وإلى كل مسؤول بأن احتواء الشباب يكون هكذا.. كما قالها أحد شباب أكاديمية المستقبل «بأنك يا سمو الأمير أبلغت الرسالة وبقي علينا التطبيق».
أكاديمي بجامعة القصيم - مدير عام جمعية أسرة ببريدة