د. عبدالرزاق بن حمود الزهراني ">
مما يؤسف له أن مجتمعنا أصبح مجتمعاً يكثر فيه التقليد حتى من بعض المثقفين، وهو منتشر بين بعض فئاته التي يزيد فيها الجهل، وعدم معرفة أبعاد الثقافة الإسلامية وهدايتها وقيادتها للحياة، وهذا ما تحدث عنه ابن خلدون عندما قال: (المغلوب مولع بتقليد الغالب)، وما ذكره مالك بن نبي في حديثه عن (القابلية للاستعمار)، فكل ما يرد من الغرب يتم تلقفه وتقليده دون تمحيص وعرض على العقل والمصلحة، ومن ذلك الإقبال المفرط في السنوات الأخيرة على خياطة الملابس، وعلى أماكن زينة النساء (الكوافيرة)، حتى أننا نرى في بعض الشوارع القصيرة عدداً من المشاغل إلى جوار بعضها، وقد أحصيت وأنا واقف على الرصيف في أحد تلك الشوارع ثمانية مشاغل، ومثل ذلك يمكن أن يُقال عن الكوافيرات، وقد تم اكتشاف أن بعض تلك المشاغل، وتلك الكوافيرات تعمل على استنزاف موارد وميزانيات الأسر، ولقد انتشر في العقود الأخيرة في مجتمعنا مرض (حب المظاهر) ومحاولة تقليد الآخرين، فحتى محدودو الدخل يتظاهرون بالغنى، ولو عن طريق القروض وأخذ السلف من الآخرين، وللحد من تلك الظواهر السلبية أن يكون هناك حملة لمقاطعة بعض المظاهر التي أضرارها أكبر من نفعها مثل المشاغل النسائية، وأماكن الكوافيرات، لأسباب كثيرة منها التقليل من استنزاف موارد الأسرة، وترشيد استهلاكها وخصوصاً أن العالم يمر بأزمات مالية متكررة، والرغبة من جهة أخرى، في الابتعاد عن الشبهات، وأتمنى أن يتزايد أعداد من يقاطع تلك المظاهر وخصوصاً من النساء، وأن يكون هناك تفكير في إيجاد بدائل، ففي الأسر نساء مثقفات، ولديهن مهارات في الحياكة والتزيين يمكن تطويرها، وكثير منهن لا عمل لها، وبهذا يمكن أن يكون ذلك مفتاحاً لباب من أبواب الرزق، والتقليل من البطالة، وعمل الأسر مع بعضها في دائرة مأمونة أخلاقياً، وبعيدة عن الغش والابتزاز. ويجب كذلك أن نتعلّم التقليل من الإنفاق على الكماليات في اللباس والزينة، فالزيادة في الشيء مثل النقص، ومما يوجب زوال النعم عدم شكرها، وهناك نسوة لا يحضرن بالفستان الواحد في حفلين، وبعضهن تغيِّر ملابسها عدة مرات في الليلة الواحدة، وكأنها في مكان لعرض الأزياء، بينما كانت جدتها قبل خمسين سنة تلبس ثياباً مرقَّعة وبالية! إن الالتزام بالحدود التي يقبلها العقل هو الذي يجب أن يسود في اللباس والطعام والزينة، والله سبحانه وتعالى يقول: {َلئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرُْمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}، وتجاوز الحدود والإفراط في الاستهلاك يعتبر من كفران النعم الذي قد يؤدي إلى زوالها لا سمح الله.
-أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام