م. خالد إبراهيم الحجي
لقد رحب خادم الحرمين الشريفين بحضور جميع وفود المؤتمر في كلمته الافتتاحية لمؤتمر القمة بين الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية الذي انعقد في الرياض في العاشر والحادي عشر من نوفمبر 2015م التي تضمنت قول الملك سلمان - أيَّده الله - (سعدنا باستضافة قمة الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية في الرياض،
ونأمل أن تكون القمة انطلاقتنا الحقيقية للتعاون المشترك بين شعوبنا ودولنا). ولقد كان التفاؤل الغامر ظاهراً في كلمات رؤساء وفود الدول المشاركة خلال أيام انعقاد القمة في الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية، كما عكست الاجتماعات الثنائية مع خادم الحرمين الشريفين والكلمات والعبارات المتبادلة مدى الاحترام العميق والتقدير الكبير من جميع الوفود المشاركة لكلمة خادم الحرمين الشريفين الافتتاحية التي مهّدت الطريق لفتح أبواب التعاون في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية والسياسية. وأول قمة بين الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية تم انعقادها للمرة الأولى في برازيليا في يومي العاشر والحادي عشر من مايو 2005م، ثم تكرَّر انعقادها كل ثلاثة أعوام، حيث انعقدت للمرة الثانية في الدوحة في الحادي والثلاثين من مارس 2009م، وانعقدت للمرة الثالثة في ليما في الثاني من أكتوبر 2012 م، بحضور زعماء من أربع وثلاثين دولة، اثنتي عشرة دولة من أمريكا الجنوبية (وهي: فنزويلا والبرازيل والأرجنتين وكولومبيا وبيرو والإكوادور وجويانا وباراغواي وسورينام وأوروغواي وبوليفيا وشيلي)، واثنتين وعشرين دولة عربية (وهي: اليمن وعمان والبحرين والإمارات وقطر والكويت والعراق والأردن ولبنان وفلسطين وسورية ومصر والسودان والصومال وجيبوتي وجزر القمر وليبيا والجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا)، بالإضافة إلى مشاركة كلّ من جامعة الدول العربية واتحاد دول أميركا الجنوبية، ويسبق انعقاد القمة بين الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية ثلاث مراحل تصاعدية تمهّد للمرحلة الرابعة وهي انعقاد القمة كالتالي:
المرحلة الأولى: انعقاد مستوى لجان التعاون المختلفة لدول القمة: مثل لجان التعاون الاجتماعي والحضاري، والتعاون الاقتصادي، والتعاون البيئي، والتعاون الثقافي والعلمي والتقدم التكنولوجي، وتجتمع هذه اللجان كل ستة شهور لتمهّد لاجتماعات مجلس كبار المسؤولين.
المرحلة الثانية: انعقاد مستوى مجلس كبار المسؤولين لدول القمة: ويجتمع كل ستة شهور أيضاً بالتزامن مع اجتماعات لجان التعاون المختلفة.
المرحلة الثالثة: انعقاد مستوى مجلس وزراء الشؤون الخارجية لدول القمة: الذي يجتمع كل سنتين.
المرحلة الرابعة: مستوى ملوك ورؤساء دول القمة: ويجتمعون كل ثلاث سنوات. وانعقاد قمة الرياض الرابعة في هذا التوقيت الذي يعاني العالم فيه من الاضطرابات والانقسامات والإرهاب تعتبر نقلة عملية وصادقة تجاه روح عالمية جديدة من التعاون والتضامن الدولي لأنها تجسد نموذجاً لمفهومٍ جديدٍ وحقيقي من الشراكة الإستراتيجية بين الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية.. إن التعاون الحقيقي الذي جاء في كلمة خادم الحرمين الشريفين الافتتاحية لمؤتمر القمة الرابع بين الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية يمثِّل رؤيةً ثاقبةً في سياق التنمية المستدامة لتحقيق الازدهار المستدام للدول المشاركة في القمة وشعوبها، لأن التعاون الحقيقي يتضمن العوامل الثلاثة التالية:
الأول: الإدراك والشعور الذي يجمع بين الشعوب الإنسانية المختلفة وبين بعضها البعض في الإيمان بحق جميع الدول وشعوبها في العيش الآمن في عالم مستقر ومزدهر.
الثاني: التفاهم والتناغم بين الأطراف المتعددة والمختلفة لتقوية وتفعيل الدور المهم الذي تقوم به التجمعات والتكتلات الإقليمية في الوقت الحاضر.
الثالث: تقوية التقارب والتواصل بين الدول المختلفة لتعزيز الاحترام المتبادل وتنمية المصالح المشتركة للوصول إلى التنمية المستدامة.. وقمة الرياض قد أكدت بما لا يدع مجالاً للشك على أهمية العلاقات الدولية والتكتلات الإقليمية العابرة للقارات في دعم التعاون الحقيقي في مواجهة التحديات الراهنة، لأن الشراكات الإستراتيجية القائمة على الاحترام المتبادل والتعاون المثمر لتحقيق المصالح المشتركة تمكن الدول لتعمل جنباً إلى جنب أو بعضها مع بعض لتشكِّل قوةً أكثر فعالية على المسرح الدولي، لأن الدول وهي مجتمعةٌ تصبح أكثر في المال، وأكبر في عدد الشعوب، وأوسع في الرقعة الجغرافية، ومن فوائد القمم وثمراتها أن الدول المشاركة فيها تستفيد من ظاهرة العولمة في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية في العالم الحديث الذي قربت التكنولوجيا مسافاته البعيدة فأخذ يتقارب بعضه من بعض وتلاشت وانعدمت الحواجز الزمانية والمكانية، فأصبح العالم كالقرية الصغيرة لأن العولمة أصبحت حقيقة ملموسة ومفروضة على أرض الواقع، ومن فوائد الشراكة والتضامن والتعاون بين دول القمم أنه يقوِّي صوت كل دولة ويمنحها وزناً دبلوماسياً وثقلاً سياسياً على المسرح العالمي، وتصبح ذات صوتٍ مسموعٍ في المحافل الدولية فتستمع لها الدول الأخرى بآذان صاغية وتضع ما تصرح به أو تقرّره بعين الجد والاعتبار، كما تعتبر القمم بين الدول المشاركة آليات فعَّالة تدعم مسارات التعاون الحقيقي بينها، وقمة الرياض نموذج للتعاون والشراكة الإستراتيجية بين معظم دول العالم وشعوبه.