إبراهيم الطاسان ">
سبقني إلى هذا المعنى الشاعر المعروف راشد الخلاوي، إلا أن سياق خواطر الخلاوي في قصيدته، مطبوعة ببيئته وطبيعة حياته في الفترة التي يرجح كثير ممن حاولوا تناول زمان وظروف ومكان حياته رجحوا أنه عاش في الفترة التي توصف من حيث التوثيق التاريخي بالفترة الغامضة أو المفقودة، وهي الفترة الواقعة بين العام 700 -1100هـ. الذي قال:
وادٍ جرى لابد يجري من الحيا
إن ماجرى عام جرى عام عايد
بقوله «من الحيا» دل على أنه لا يعني به إلا السيل. حيث لازالت العرب عند وصف غزارة المطر تكني عنه بـ(حيا) والعامة تقول: السيل يتبع مجاريه. أي انه مهما اعترض مجاري الاودية من موانع تبعدها وتجرى في مجراها. ولكن ظروف حياتنا اليوم، وبيئتنا العامة والخاصة، تبيح لي على الأقل استنتاج معان كثيرة يعبر عنها معنى بيت الخلاوي المذكور، فأقول: من فعل فعل وإن نأى عنه لابد بيوم عليه يعود، فمن به طبع اغتنام الغفلة، واستولى على الأملاك والمال العام، إنما مارس طبعه بدون حياء من الله والناس، وما خبر الاستيلاء على (500) حديقة بجدة، وخبر استرداد ملايين الأمتار من أملاك حكومية، باعها وتبايعها من لايملكونها تملكا مشروعا بالمنطقة الشرقية، إلا نماذج لهذا السلوك.
هذه الحالات نماذج على العموم، أما الخصوص فإن من به طبع غلبه طبعه، فاللص وإن قبض عليه وحكم، لابد وأن يتذكر فعله ويعود إليه، لذا نقرأ بين أخبار المقبوض عليهم عبارة من اصحاب السوابق، والمتطرف وإن استنصح، انتصح حتى تتيح له الظروف العودة عاد. وقد أصيب باستنتاجي لغاية الأستاذ/ مشعل السديري من مقال له قرأته تحت عنوان (الخصاء) عبر التاريخ. في صحيفة الشرق الأوسط. أنه لا يذهب بعيدا عن غاية راشد الحلاوي من البيت آنف الذكر، بل واذهب إلى أن استنباط الاحكام في أحايين كثيرة، تمليها ضرورة الواقع (فقه الواقع)، فصلاح الدين الأيبوي وزوجة ابنه (شجرة الدر) الذي عرضه الأستاذ مشعل. عندما بدأ إرسال (الخصيان) للخدمة في الحرمين الشريفين تبركا واحتسابا، كما مضى به قلم الاستاذ مشعل، فإنني أشدد أن مقتضى طبيعة خدمتهم في الحرمين حتمت الأخذ بالمثل العامي «باب يجيك منه ريح سده واستريح» وليس «تبركا واحتسابا» فماذا على مجتمعنا الذي أمعن فيه بعض قلة منه بالتجاوز على المال العام، سواء النقد ممثل بالرشوة، او السطو على املاك الدولة ممثلة في الأراضي الحكومية.
لو كفى المجتمع شرهم وشر من توسوس له نفسه، فشهر بهم، وقطعت أيديهم كحد من حدود الله . ولا أقول قطع ذريتهم «بخصيهم» بل تأسيا بسيد الخلق محمد بن عبد الله عليه افضل الصلاة والسلام حينما قال: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا» أما المتسللون ممن يمارسون تصنيع وبيع المسكرات أو التجارة بتهريب وبيع المخدرات خاصة الافارقة، فإن الرادع الوحيد هو تسفيرهم بأطراف مبتورة وفق الاحكام الشرعية ليشكلوا معرضاً للعقوبات بين مجتمعاتهم لردع من تسول له نفسه التسلل لغرض الافساد بالمسكرات والمخدرات بالترويج أو التصنيع أو التهريب. فهي أخطر آفات العصر على مجتمعنا ولا بد من مواجهتها بالعقوبات الرادعة الزاجرة. بخصي أولئك بقطع اطرافهم.