خالد بن حمد المالك
لم يكن أمام المؤتمر من مبرر لجعل جدول أعماله مقتصراً على الشأن الاقتصادي فقط بعد أن ألقت أحداث باريس الإرهابية بظلالها على أجواء المؤتمر، ولم تكن هناك من فرصة أمام أعضاء المنتدى الممثلين لدول العالم في قمة كهذه ليكون الحديث عن الإرهاب هامشياً بينما الدماء البريئة في باريس تتحدث عن مشكلة خطيرة، بدأت تتفاقم وتتوسع على امتداد دول العالم.
***
كان واضحاً أن الرسالة العالمية عن الإرهاب الذي عصف بباريس في أكثر من موقع مأهول قد سبقت الزعماء إلى حيث يجتمعون في أنطاليا، وأنها ستكون القضية الملتهبة والمهمة في مباحثات قادة مجموعة العشرين تفاعلاً مع حجم الكارثة التي مست المئات من الأبرياء بين قتيل وجريح، وأنه لا مناص هذه المرة من التعامل مع الإرهاب بشكل جاد، وضمن آلية عمل جديدة، وضمن تعاون لا يستثني أحدٌ نفسه أو دولته من المشاركة فيها.
***
مضت الفترة المحددة للمؤتمر، وكان واضحاً قبل بدء الفعاليات أن النتائج ستكون في مستوى التحديات، إن كان اقتصادياً أو أمنياً، فبينما يشهد سوق النفط تراجعاً في أسعاره، ومعه تقلبات واضطرابات في النمو الاقتصادي للدول، تتصاعد وتيرة الإرهاب، ويمتد نشاطه إلى عدد من الدول؛ ما يستدعي التوجه نحو عمل مشترك، يقاوم هذه الظاهرة، ويتصدى للمجرمين القتلة، ويُظهر التصميم القوي على أنه لا مكان للإرهابيين في عالم ينبغي أن يسوده الأمن والسلام.
***
نجح المؤتمر في التوصل إلى قرارات مهمة، وإلى توافق في الرؤية حول الشأنين الاقتصادي والأمني، وتجاوز بقراراته أكثر مما كان مؤملاً فيه، وترك للقمة القادمة في الصين ملفاً لموضوعات أخرى، تجري دراستها والتحضير لها لعرضها على قادة المجموعة في اجتماعهم القادم، ضمن اهتمام - على ما ظهر لي أو أعلن عنه - في الحرص على التعاون في كبح جماع الإرهابيين، وتحسين الوضع الاقتصادي العالمي، وصولاً إلى عالم يتمتع بالاستقرار أمنياً واقتصادياً، والحيلولة دون العبث أو الخروج عما تم الاتفاق عليه بين الزعماء.
***
أدان المؤتمر في بيانه الهجمات الإرهابية التي ضربت باريس، واعتبر ذلك إهانة للبشرية جميعاً، وأن الأعمال الإرهابية تقوض التدابير الرامية إلى الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وتهدد الجهود الجارية لتعزيز الاقتصاد العالمي وتحقيق التنمية المستدامة، وفي وقت اعترف فيه البيان بزيادة انتشار المنظمات الإرهابية على مستوى العالم فإن ذلك يستدعي - كما أتصور - وضع استراتيجية لمكافحتها، وإعادة النظر في هذه الاستراتيجية مع ما يستجد من تطورات وأعمال إرهابية، قد يقوم بها الإرهابيون إذا ما توافر لهم ملاذٌ آمنٌ دون أن يتصدى العالم لهم.
***
في البيان الختامي للقمة كان هناك توافق بين الزعماء على ضرورة قطع مصادر تحويل التنظيمات الإرهابية بالقضاء على السوق السوداء للنفط، وعلى منع تدفق المقاتلين الأجانب إلى مناطق الصراع، وتعزيز أمن الطائرات والمطارات، وعلى معالجة أزمة اللجوء والتعامل معها بطريقة منظمة وشاملة.. وهذا يعطي - بحسب فهمي - دليلاً على أن المؤتمر ركز على الإرهاب والأسلوب الأمثل للتصدي له، ومنعه من تحقيق أهدافه؛ ما يُظهر جدية دول العالم في التعاون الصادق على مكافحته بعد أن بلغ ما بلغ من التوسع والانتشار، وتصاعد الأعمال الإرهابية التي يقوم بها الإرهابيون.
***
ومع أن قضية الإرهاب قد ألقت بظلالها على أجواء المؤتمر، وخُصص لها من الوقت ما أكد تصميم زعماء العالم على التصدي له، إلا أن النمو الاقتصادي العالمي كان حاضراً بقوة في المباحثات، بما في ذلك ما يواجهه من تحديات؛ فقد شعر المجتمعون بأن دعم القطاع المالي يمكن أن يلعب دوراً مهماً في تحقيق التنمية الاقتصادية، وأن انخفاض الإنتاجية - كما يقول السكرتير العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية - سوف ينعكس سلباً على هذا النمو، وأن أحد أسباب الانخفاض وبطء النمو هو غياب السياسات المحفزة للابتكارات، وأن السبب الآخر يتعلق بالإدارة والتنظيم؛ بدليل ارتفاع نسبة البطالة، وأن معدلات النمو الاقتصادي لم تصل إلى ما كانت عليه قبل الأزمة الاقتصادية العالمية التي مضى عليها سبعة أعوام.
***
المؤتمر بشكل عام اهتم بالاقتصاد والتنمية المستدامة، وما يتعلق بهذين المحورين في وضعهما الحالي، وما يمكن أن يكونا عليه فيما لو اتُّبعت السياسات التي تم بحثها والتوصل إلى توافق عليها، دون إغفال الجانب الأمني الذي يحمي اقتصاديات الدول، من خلال توفير مظلة أمنية تحميها، وتوفر الثقة في الاستثمارات والمشروعات الاقتصادية دون أن تتعرض للمخاطر الأمنية. على أن اجتماعاً مهماً كهذا لا ينبغي التفكير أو التوقُّع بأنه سيصل إلى حلول لكل ما يعانيه العالم اقتصادياً أو أمنياً أو غير ذلك، لكنه باجتماعاته السنوية، وبهذا المستوى العالي من التمثيل، قادر على أن يصل إلى الأهداف التي استدعت قيام هذا الملتقى الاقتصادي المسمى بمجموعة قمة العشرين.