د.عبدالرحيم محمود جاموس
تلك تساؤلات لابد من الوقوف عليها والبحث عن أجوبة شافية ومقنعة لها، حتى ندرك معنى ((الإرهاب))، الذي بات اليوم المصطلح الأكثر انتشاراً وتداولاً في جميع لغات العالم، وبداية لا يمكن لعاقل أن يؤيد الإرهاب أياً كان مصدره، أو موقعه أو مسوغه، فلا تبرير للإرهاب ولا مسوغات له، لأنه خبط عشواء من يصب، هو وسيلة قتل وإكراه عمياء، دائماً يكون ضحاياه من الأبرياء...
لا يجوز أن يقبل الإرهاب في مكان ويسكت عنه، ويستنكر ويحارب في مكان آخر، فكل الإرهاب، إرهاب مؤلم وموجع، لا مجال فيه للانتقائية أو التمايز، فكل إرهاب سواء كان صادراً عن فرد أو عصابة، أو تنظيم، أو دولة، هو إرهاب مجرم، فالإرهاب في بيروت أو الرياض أو القاهرة أو باريس أو بغداد أو مدريد أو لندن أو نيويورك أو فلسطين أو أي مكان آخر، هو إرهاب واعتداء على الإنسانية جمعاء، يجب أن يتوقف وأن يُحارب دون هوادة أو رحمة، لابد من دحره واجتثاث مسبباته، وذرائعه، ومغذياته الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ..الخ، من المسببات الكامنة في النفس البشرية والتي تخرجها عن الطريق السوي والمستقيم وتدفعها لأن تكون فريسة سهلة، وصيداً طيعاً في يدِ قوى الإرهاب وَمُشَغِليهْ.
لقد وقف العالم مذهولاً يوم 11-09-2001م، من هول العملية الإرهابية وتعقيداتها التي استهدفت مبنى التجارة العالمية في نيويورك، والتي نسبت لتنظيم القاعدة، ومنذ ذلك التاريخ والمواجهة محتدمة بين العالم وقوى الإرهاب، ولكن النتيجة للأسف، تكريس وتزايد الظاهرة الإرهابية، وتناميها وتناسخها بمسميات مختلفة، وتصاعدها رغم الحرب التي أعلنتها الولايات المتحدة على الإرهاب منذ ذلك التاريخ، وقامت باحتلال أفغانستان والعراق، ليجد العالم نفسه بعدها مبهوراً أمام تنامي هذه الظاهرة، وآخرها ما حصل مساء الجمعة الدامية 13-11-2015م في باريس ليحصد الإرهاب فيها أكثر من مائة وثلاثين ضحية من الأبرياء وجرح المئات، وتسابقت جميع الدول لإدانة هذا الفعل الإرهابي والإجرامي الذي تبناه تنظيم الدولة الإسلامي (داعش)، وقبله بيوم واحد كان قد حط رحاله في بيروت ليحصد أيضاً العشرات من الأبرياء.
ذلك ما يحتم أن يتوحد العالم أجمع، في مواجهة الإرهاب، أياً كان مصدره وشكله، أو ذرائعه، أو مكانه أو توقيته، فلا فرق بين العمل الإرهابي الذي ضرب في نيويورك أو باريس، والعمل الإرهابي الذي سبق أن ضرب في الرياض، أو بيروت، أو بغداد أو غيرها من المدن والعواصم، أو الإرهاب القديم الجديد والمستمر في فلسطين منذ أكثر من سبعين عاماً، والعالم لا يتوجع له بما يكفي ولا يقيم له وزناً. لا يمكن أن ينتصر المجتمع الدولي على الإرهاب في مكان دون الآخر، ما لم تكن المواجهة عامة وشاملة، تقتلع جذور الإرهاب كافة، فكرية كانت أم اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية...
إن تفشي ظاهرة الإرهاب وتناسخها واستمرارها، تكشف عن قصور كامل وعجز في إرادة المجتمع الدولي في مواجهة الإرهاب، وفشل في الوسائل والأساليب، وبعدٍ كامل عن مكامن وذرائع وأسباب تفشي الظاهرة الإرهابية المرعبة، نتمنى أن يدرك الجميع، خطورة هذه الظاهرة وأن تتوحد جهود الجميع لاقتلاع واجتثاث كافة الأسباب والذرائع التي تغذي هذه الظاهرة، ولا نغالي في أن المنطقة العربية هي الضحية الأولى للإرهاب، الذي يضرب فيها خبط عشواء، من إرهاب الدولة الصهيونية في فلسطين إلى إرهاب القاعدة وداعش ونسخها المتعددة في بقية الدول العربية، وما وصل إلى باريس وغيرها ما هو إلا شرر متطاير من هذا الإرهاب الذي يضرب المنطقة العربية وخصوصاً في سوريا والعراق وفلسطين.
العدالة والأمن، والتنمية والسلام في الشرق الأوسط والحفاظ على وحدة الدول واستقرارها هو الطريق الأمثل لاجتثاث ظاهرة الإرهاب على مستوى المنطقة الشرق أوسطية والعالم.