الليل ألقى حديثاً حين هَدْأتِه
بأنَّ روحاً بثوب الطُّهر تُحْتَرم
بأنَّ قرة عيني قد أحاط بها
كرام ما أخلفوا الوعد الذي علموا
تسلموا بَرَّةً بالذكر قد عَمَرَتْ
حياتَها وعلى جثمانها ختموا
آثارُ وفد كرام خلَّفوا جسداً
ما بين أهل بما قد نالها وجموا
حزناً عليها وحباً.. كيف قد رحلت
ما طوقتها يد أو ضمها حَشَم
يا رب كانت لنا قلباً يباشرنا
حنانها ولنا في برئها عشم
لسانها بخشوع المخبتين له
عند الشدائد بالرحمن تعتصم
فتنجلي غُصَصُ المكروب طائعة
أمام رحمة من لا يُحْفِهِ كرم
أماه إن مسّنا حزن وأثكلنا
فحسبنا الله حبل ليس ينفصم
هذا سريرك ملموم بوحشته
وبين عينيَّ أنت الصحو والدّيَمُ
وأنت عمري الذي أسقيت نبتتهُ
حتى استوى سوقه ما مسه سقم
قلب تعهد طفلاً أينما درجت
خطاه ترعاه ما كَلَّت لها هِمَمُ
والآن.. هذا قضاء الله يطلبها
ونعم بالله.. من في عدله الحِكَمُ
حبيبتي مسني الحزن الذي أكلت
سعيره أضلعاً يُشْوى بهنَّ دم
تفرق الحزن في نبضي وأسلمني
لفجأة الفَقْد حتى استعْجَمَ الكَلِمُ
حبيبتي قرة العينين باقية
ذكرى ومنهل حب فيه نقتسم
كم أرسل الهاجس الموجوع من أمل
لعل يأتي بليلات النوى حُلُم
لعل تطرق سمع الليل في غَلَسٍ
طيفاً حفياً على الأحداق يَرْتَسمُ
أماه.. ماذا أقول اليوم مذ رحلت
فيك الخطى فلقانا اليوم مُنْثَلم
أماه بين ضلوعي ألفُ خاطرة
حروفها المسكُ والراوي لها القلم
هذا سريرك هل يحكي لنا دُرَراً
من ذكريات بعذب القول تتسم
أحلى الأحاديث من ثغر تَضَوُّعه
أفضت بها شفة يحلو بها نغم
وبين طيب سَوَاليْفٍ تباشرنا
الذكريات كأحلى ما حكاه فم
أماه تأخذني ذكراك في شغف
لنفحة من حياة كلها شَمَمُ
خطاك في البيت كادت أن تبوح بما
أسلفتِ من صالحٍ أهلٌ وإن رحمُ
في قهوة الصبح في شاي العشيِّ لنا
من دفء مجلس فيه الشمل ملتئم
تباركين بحبٍّ كلَّ مجتهدٍ
وكل بسطة نُعمى ما بها لَمَمُ
تحلَّقوا حولك الأسماع مصغية
مسامع بلذيذ القول تنسجم
ونحن ما بين عذب من تَرَسُّلها
لا لغو فيه ولا في طوله سأم
أنّى تَلَفَّتُّ هذا مقعد جلست
عليه.. هذا مكان الحب ضمهموا
وتلك سجادة هذي أَجلَّتُها
وذاك مذياعها قد مَسَّه البَكَمُ
هذا المصلى خشوع كان يعهده
ما أخلفت وِرْدَ ليلٍ ما وهى قدم
ولا تثاقل جفن عن تهجدها
كصيِّب الغيث يهمي وهو يبتسم
أُلَمْلِمُ القلب هل لا زال مبتهجاً
لكنَّه اليوم أَعْيا أُنْسَهُ الألم
أعياه بيت عفى منه تبتُّلُها
ومن أحاديث في إشراقها القيَمُ
اللهم آنِسْ بعفو منك وحشتها
ضيافة بنعيم ما به هرم
في مورد الحوض يمناها مصافحةٌ
كأساً من المصطفى يا طيْب ما غنموا
وارفع لها درجات الخلد دانية
قطوفها.. لمقام الحمد تستلم
واجمع أحبتها ممن همو سلفوا
في مقعد الصدق خُلْدُ ما به عدمُ
- أحمد بن صالح الصالح
Ahmed_mosafer@hotmail.com