د. عبدالعزيز الجار الله
ازداد صوت النقاش حدة بعد كارثة سيول جدة الأولى عام 2009م عندما أغرقتها السيول المنقولة ، فقد قال بعض المسؤولين في جدة: إن جدة لا تتحصل على الميزانيات اللازمة لإقامة البنية التحتية. فردت عليهم وزارة المالية إعلامياً بإعلان المبالغ والميزانيات التي صرفت على مشروعات جدة، فاعتبر البعض أن هذا الرد غير مقبول من وزارة المالية فلم نعتاد من جهة حكومية وبحجم وزارة المالية، أن تذكر حجم الميزانيات التي صرفت على المدن، لكننا استيقظنا على وَيْل الكارثة بأنها كانت مشروعات على ورق ولم تنفذ على الأرض، استلم المقاول قيمة المشروع ونفذ حفر صرف مغلقة، لتكشف الأمطار عن فساد مالي وإداري أبطاله من المسؤولين في أمانة وبلديات وأجهزة جدة، ومازالت التحقيقات والملاحقات القانونية مستمرة زادت معها الأسئلة منها : لماذا تزيّن جدة من الخارج بالمجسمات والأشكال الجمالية، وهي من الداخل بلا تغطية شبكات تصريف السيول والصرف الصحي وشبكة المياه العذبة؟.
في أمطار نوفمبر 2015م كشفت عن الحقيقة المرة التي غلفت بقضية السيول المنقولة عام 2009م وعام 2011م، فكانت المعالجة بإنشاء (15) سداً لحماية جدة من سيولها الشرقية القادمة من أوديتها المنحدرة من المرتفعات والهضاب الشرقية للمحافظة ، وبالفعل عملت السدود على حماية المدينة بإذن الله من السيول التي كانت في الماضي تنتهي إلى البحر قبل أن تعترضها مخططات الأراضي وتغلق مساراتها، إذن الحقيقة (الكاريثية) التي تغلفت بالسيول المنقولة هي: خلو معظم أحياء العروس من البنية التحتية لشبكة تصريف السيول، وعدم حماية مجاري الأودية من التعديات حيث رُدمت وتحولت إلى أحياء سكنية.
والسؤال الذي أقلق المواطن والجهات المالية والرقابية: أين هي الأموال والميزانيات التي كانت تدفع للأمانات والبلديات من أوائل الثمانينات الميلادية حتى الآن تحت بند تصريف السيول، ومعالجة صرف المياه السطحية ، والصرف الصحي باعتبارها أحد وسائل التصريف؟.
فقد مرت جدة مثل باقي مدن المملكة بدورتين اقتصاديتين تنمويتين الأولي عام 1975م والثانية عام 2003م، استمرت كل دورة (10) سنوات ، وجدة امتازت عن مدن المملكة بالميزانيات المفتوحة، وفائض العوائد النفطية بصفتها واجهة بلادنا وبوابتها لمواسم الحج والعمرة وكما يقال عروس البحر الأحمر، أي أنها تحصلت على ميزانيات عالية وضخمة طوال هذه السنوات لم تستثمرها في بناء البنية التحتية، وكأنها للتو تبدأ في بناء الشبكات الأرضية.