د. عبدالرحمن الشلاش
البشت «المشلح» أو العباءة الرجالية تقليد شائع في منطقة الخليج، يرتديه غالباً كبار السن والمشايخ والوجهاء وأصحاب المراكز العليا. ولشدة اهتمام البعض به تطورت صناعته، ووصلت أثمان أنواع منه مبالغ كبيرة جداً. تحول لتقليد رسمي؛ فلا يظهر صاحب سلطة أو مركز وظيفي في أي مناسبة إلا وقد تدثر به، حتى أن البعض لا ينفك منه إلا في وقت النوم. تعدى الأمر إلى أن يعتبر البعض ظهوره بدون بشت أمام الناس معيباً ونقيصة في حق نفسه. البشت تحوَّل مع الزمن إلى ثقافة غريبة. وحتى لو أراد المسؤول التخلص منه فلن يسلم من ألسنة المنتقدين. أذكر قبل سنوات كنت في مناسبة رسمية. ولأني من النوع الذي لا يلبس البشت إلا في مناسبات معدودة جداً، لاعتبارات كثيرة، منها على الأقل أني أحب دائماً المرونة في الحركة، وأحس أن البشت يكبلني، فقد سألني راعي المناسبة وأنا أسير بجانبه «وين بشتك؟». فرددت عليه «والله أنا ما أحب ألبس البشت. وبعدين - طال عمرك - متى تتوقع نتخلص من البشوت اللي أثقلت حركتنا، ومنحت مكانة لمن لا يستحقون؟». قال لي «والله إني أشاطرك الرأي. أتمنى على الأقل أن نخفف منه».
بعد سنوات من هذا الكلام لاحظت ظاهرة حسنة لبعض المسؤولين الكبار في الدولة وهم يتخلون عن البشت، بما يدل على تواضع جم، في حين يرى آخرون في ذلك بداية لمتغير جديد، يتمازج فيه الجميع، وتطلعاً لأن تسود مثل هذه الثقافة الجديدة، التي لقيت استحساناً كبيراً، خاصة أنها قد جاءت من مسؤولين، وفي مناسبات رسمية، لا يجوز فيها - حسب الثقافة السائدة - ظهور شخصيات بهذا الحجم دون بشوت. ربما أجد العذر لمسؤول كبير في ظهوره الرسمي في أبهى حلة، وبالبشت أيضاً، تماشيا مع الرسميات، لكن الأمر امتد حتى لصغار المسؤولين، وحتى لأشخاص ليس لهم أي صفات اعتبارية؛ إذ إن البشت صار بالنسبة لهم جواز مرور، يمنحهم مكانة أكبر؛ فدفع بهم إلى مقدمة الصفوف تاركين مقاعدهم الخلفية لمن هم أحق بالحضور. أذكر أن أحد المنظمين قد طلب من شخص معروف في الوسط الأكاديمي مدعو لإلقاء كلمة في مناسبة كبيرة الرجوع للجلوس في المقاعد الخلفية؛ والسبب أن الأكاديمي لا يرتدي بشتاً، وفي عرف هذه المنظّم، الذي اكتسبه من الثقافة السائدة، أن المقاعد توزع حسب المظهر لا المخبر. كثيرون يستغلون البشت عند مراجعتهم للدوائر الرسمية كنوع من رفع قيمتهم لدى الموظفين؛ لينجزوا أعمالهم قبل الناس، أو ليحظوا بمقابلة المسؤول الكبير.
البشت تقليد موروث، لكنه تحوَّل إلى مظهر لدى البعض لرفع قيمتهم. وقد يكون في ظهور بعض الشخصيات الكبيرة بدون بشوت خطوة للقضاء على ظاهرة «الفشخرة» الفارغة لدى بعض المتسلقين.