د. أحمد الفراج
بعد إرهاب باريس، صرح حكام الولايات الأمريكية الجمهوريين، أنهم لن يسمحوا لأي لاجئ سوري أن يدخل الولايات التي يحكمونها!!، وهو الأمر الذي وقف منه الرئيس باراك أوباما بقوة، وصرح أن أمر اللاجئين يعتبر قضية فيدرالية، ولا علاقة لحكام الولايات بها، وحينها زادت هستيريا الساسة الجمهوريون، خصوصا وأن الحزب الجمهوري برمته يترنح، ويعاني من ضعف شديد، من خلال عدم مقدرته على تقديم مرشحين ينافسون المرشحة الديمقراطية المرتقبة، هيلاري كلينتون، في انتخابات الرئاسة لعام 2016، فقد تسابق المرشحون الجمهوريون على المزايدة بالوطنية، والحرص على الأمن القومي، مستغلين حادثة باريس، والتي أيقظت لدى الشعب الأمريكي ذكرى أحداث سبتمبر الأليمة، ولا تعدو مزايدة الساسة الجمهوريين أكثر من كونها مسابقة في الحمق والجهل والعنصرية، وهو الأمر الذي يبين مدى فشل الحزب، والذي كان يوما حزبا يمثله كبار الساسة، من شاكلة ابراهام لينكولن، وثيدور روزفلت، وريتشارد نيكسون، وجورج بوش الأب!!.
المرشح الجمهوري، والثري العنصري، دونالد ترمب، والذي يتصدر قائمة مرشحي الحزب الجمهوري للإنتخابات القادمة!!، اقترح أن يتم تأسيس نظام، يتم من خلاله تسجيل كل المواطنين الأمريكيين المسلمين، ليتسنى للجهات الأمنية متابعة نشاطاتهم!!، وهو الأمر الذي قوبل باستهجان كبير، من قبل كثير من عقلاء الساسة، وشريحة واسعة من الشعب، وكان أبرز من تصدى لحمق ترمب هو مواطن أمريكي مسلم، يعمل في القوات المسلحة الأمريكية، اذ غرد عبر حسابه في تويتر، ردا على ترمب، وقال مخاطبا له :» اسمع يا دونالد ترمب.. أنا أمريكي مسلم..وهذه بطاقة انتسابي للقوات المسلحة..فهل لديك مثلها؟!!»، وهي التغريدة التي لاقت رواجا واسعا، اذ أن ترمب لم يخدم يوما في الجيش الأمريكي، وتعتبر الخدمة العسكرية من أرقى ما يمكن أن يفخر به المواطن الأمريكي، ولم تكد كارثة ترمب تنتهي، حتى جاءت الطامة الثانية!.
فقد شبه المرشح الجمهوري الأسود، بين كارسون، وهو محافظ جدا، شبه اللاجئين السوريين بالكلاب المسعورة!!، وغني عن القول إن كارسون يعتبر واحد ممن يطلق عليهم في أمريكا لقب « انكل توم «، أي المواطن الأسود الذي يتقمص شخصية البيض، وانكل توم هو المواطن الأسود الذي يتملص من انتمائه العرقي الأفريقي، ولا يمكن أن يقبله البيض، مهما بالغ في التقرب منهم، ولكن من يقنع كارسون بذلك؟!!، ثم حلت ثالثة الأثافي عندما صوت مجلس النواب الأمريكي على مشروع قرار، يجعل من شبه المستحيل على أي لاجئ سوري أو عراقي أن يدخل الولايات المتحدة!!، وهو المشروع الذي تبناه المتحدث باسم مجلس النواب، النائب الجمهوري بول راين، وهو سياسي انتهازي يبحث عن أي فرصة لإثبات الذات، ويبدو أن هذا القرار لن يرى النور، حسب ما صرح به كبار الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، اذ يتوجب موافقة مجلسي النواب والشيوخ بالأغلبية ليصبح قرارا نافذا، وماذا بعد؟!.
الغريب في الأمر أن مذيعة قناة سي ان ان، السيدة اليس لابوت، غردت في حسابها، وانتقدت قرار مجلس النواب المتشدد ضد اللاجئين، وأنه لا يمثل القيم الأمريكية، فما كان من القناة العالمية، المحايدة، والتي تعلمنا قيم الحرية، إلا أن أعلنت إيقافها مؤقتا عن العمل!!، وقد اعتذرت المذيعة، ولكن قد يكون أمر بقائها قد حسم!!، وهذه هدية خاصة من صاحبكم لكل من ينتقدني، عندما أزعم أن الأعلام الأمريكي لم يعد كما كان قبل حرب الخليج الثانية، وخلاصة الحديث هو أن الحزب الجمهوري الأمريكي ذهب بعيدا في ردة فعله على ارهاب باريس، ففرنسا، ذاتها، لم تعلن أي اجراء تصعيدي ضد اللاجئين، ولا ندري إلى أين سينتهي أمر هذا الحزب « المترنح»!!