م. عبدالعزيز علي الزنيدي
في مقال سابق تم نشره في جريدة الجزيرة العدد رقم 15718 بتاريخ 27-12-1436هـ تحت عنوان (السلوكيات الخاطئة تعصف بثقافتنا .. والبلدية تتحمل العبء)، وعبر هذا المقال سوف نعيد تدوير المشكلة بطرح آخر.. وقبل استعراض المشكلة سوف نورد أرقاماً مهولة خصصت لعلاج السلوكيات الخاطئة وتدني الوعي..
في كل بلدية مشروع تحت مسمى (نظافة المدن والقرى)، والأمانات والبلديات تختلف اعتماداتها المالية على حسب عدد السكان والمساكن والمرافق والمحلات التجارية وعدد القرى.. وعلى سبيل الاستشهاد من الواقع فإن مدينة الرياض فقط المدينة وليست المنطقة تبلغ مخصصات أعمال النظافة (مليار وسبعمائة مليون ريال تقريباً) وذلك المليار وباقي الكسور مخصص للأعمال التالية:
(1- نظافة الشوارع الرئيسية. 2- نظافة الشوارع الداخلية. 3- نظافة الشوارع الترابية والأراضي الفضاء. 4- التقاط النفايات المبعثرة. 5- تفريغ ونقل النفايات. 6- تفريغ ونقل الأوراق الدينية والمطبوعات. 7- تفريغ ونقل حاويات فضلات الأطعمة. 8- جمع ونقل النفايات ذات الحجم الكبير. 9- رفع ونقل الأنقاض. 10- نظافة القرى. 11- غسيل وتطهير الحاويات. 12- مكافحة الحشرات الطائرة. 13- مكافحة القوارض. 14- مكافحة الكلاب الضالة ..)، وهذه البنود يقابلها على الكفة الأخرى مبلغ (مليار وسبعمائة مليون) لمعالجتها .. منها (مليار وستمائة وخمسون مليوناً مخصصة للبنود من رقم (1-12) وجميعها المتسبب فيها المواطن أو المقيم.. أما لماذا؟ فإن الجواب انعدام الوعي.. ولك أن تتصور أنه يهدر مليارات على نقل مخلفات بسبب انعدام الوعي، والأولى أن ترحل تلك المليارات إلى مشاريع الطرق والجسور والمباني ودرء أخطار السيول وتوسعة أعمال الإنارة وإنشاء الأسواق وخطوط النقل للمياه المعالجة وتطوير وسط المدينة وتوسعة الحدائق وتجميل الميادين، وما شابهه ذلك من الأعمال الحيوية التي تخدم المواطن والمقيم..!! وهذا لا يعني أنه لا يوجد مخصصات لتلك الأعمال، لكن التساؤل لماذا تتضاعف ميزانية النظافة عند طرح العقود الجديدة والأعمال المطلوبة لمعالجة سلوكيات بشرية.. علماً بأن المقام السامي أصدر لائحة للغرامات والجزاءات عن المخالفات البلدية والصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم (218) في 6-8-1422هـ) ومن هذه المخالفات التي تتكرر في كل مدينة البند رقم (4/ 16) من لائحة البناء ومضمون البند تطبق غرامة مالية قدرها (1000-3000ريال) عند عدم إزالة مخلفات البناء والترميم أو إلقائها في الأراضي الفضاء أو الأماكن العامة، كما يتم نقل المخالفة على نفقة المخالف مع حجز المعدة لمدة أسبوع.
البند رقم (4- 22) أي مخالفة لأنظمة البناء لم تحدد لها عقوبة فإن غرامتها (500-5000) ريال مع إزالة المخالفة على حساب المتسبب.. البند رقم (5-5) من مخالفات الطرق عند عدم إزالة مخلفات الحفر بعد الانتهاء من العمل تكون عقوبتها غرامة (5000- 10000ريال) مع نقل المخالفات على حساب المتسبب.. البند رقم (5- 19) مضمونه عند تشويه جدران الأبنية أو الأسوار بالكتابة على الرسم أو خلافه أو استخدامها لأغراض الأبنية تكون غرامتها (200- 500 ريال) مع إصلاح الضرر على نفقة المتسبب. البند رقم (5 /22) ومضمونه ترك السيارات أو الآلات المعطلة أو الهياكل في الساحات العامة أو الشوارع أو المواقف لمدة تزيد عن سبعة أيام، فإن غرامتها (200- 500ريال) مع سحب المعدة وحجزها وبيعها لمصلحة البلدية عند عدم المراجعة خلال 3 أشهر.. ومما سبق تخلص إلى أن ارتفاع أرقام عقود النظافة يعود إلى عدم التزام المواطن بالحد الأدنى من المشاركة الوطنية بالحفاظ على المكتسبات.. ولو التزم المواطن والمقيم بأن يرمي مخلفاته في حاوية النظافة بدلاً من رميها في الشوارع والميادين، لانخفض عدد عمال النظافة إلى أكثر من النصف ومقابلة توفير مئات الملايين من العقد، هذا بالنسبة للمدن التي يزيد سكانها على 3 ملايين نسمة، ولو التزم المواطن بفرز المخلفات العضوية (الأطعمة) وخصص لها كيسا منفصلا ولم يضعها بالحاوية المتأرجحة أو الحاوية الكبيرة (2 ياردة) لما احتجنا لبند غسيل الحاويات مادام النفايات المرمية صلبة.. بالإضافة إلى توفير ملايين الريالات.. ولو أوكلت مهمة تفريغ ونقل الأوراق الدينية والمطبوعات إلى الجهات ذات الاهتمام بتدوير الأوراق، لتم ترحيل بند النقل إلى أعمال تطوير النظافة.. ولو طبقت عقوبات رمي النفايات في الأماكن العامة لما احتجنا لبند التقاط النفايات المبعثرة، وبالتالي ترحيل اعتمادات ذلك البند إلى أعمال التحسين والتجميل وتقليل مخصصات النظافة؟؟ أما بالنسبة لبند مكافحة الحشرات الطائرة، فإن أجواءنا تساعد على إلغاء ذلك البند لأن الحشرات لا تنشط إلا في الأجواء المتوسطة ومناخ الوسطى (أربعة أشهر شديدة الحرارة وأربعة أشهر شديدة البرودة) يعني 8 أشهر بند المكافحة متوقف لخمول الحشرات والأهم الأربعة أشهر المتبقية من السنة تكون المكافحة فيها مقننة وعلى مواطن تواجد الحشرات (المستنقعات - وما شابه ذلك ..) وتكون المكافحة على دورات مياه المساجد والمرافق المفتوة الرطبة ولا داعي لاستخدام سيارات الرش داخل الأحياء. نأتي إلى بند رفع الأنقاض والسؤال أنقاض من التي تُرفع؟ إذا هي أنقاض مواطن فيحاسب عليها مراقب المنطقة، وإذا كانت شركة تلزم بإزالتها مع تطبيق العقوبة، وإذا كانت بلدية فعليها إزالتها أولا بأول ولا داعي لوجود هذا البند إلا أن يكون لأغراض أخرى مثل نقص في معدات البلدية على سبيل الاحتمال.. أما الخلاصة فإن ارتفاع عقود النظافة إلى المليارات فالمتسبب فيه انعدام الوعي عند المواطنين والمقيمين، والذين لا يتورعون عن رمي النفايات بالشوارع والميادين دون مراعاة لفداحة المخالفة.. وما يساعد في اتساع دائرة السلوك الخاطئ عدم المحاسبة من قبل الغيورين على نظافة مدنهم.. وإذا استمر الوضع على تلك الشاكلة، فإن مشاريع الطرق والجسور والسيول والتحسين والتجميل سوف تتحول مستقبلاً لرفع مستوى النظافة على حسب المشاريع الحيوية.. وفي الختام فإن انعدم الوعي وعدم تطوير أساليب النظافة سوف يبقينا في أواخر صفوف الدول المتقدمة.. فبعض الدول تشتري نفايات دول مجاورة بالملايين حتى تولد منها الطاقة وما شابه ذلك ونحن ندفع الملايين من أجل التخلص الخاطئ من النفايات.