د. هلال محمد العسكر ">
القادة المؤثرون لا يبنون في العادة قراراتهم بناء على ما يسمعونه (سمعيون)، أو على ما يشاهدونه (بصريون)، أو حتى على ما يشعرونه (شعوريون)، ولكنهم يتخذون مواقفهم وقراراتهم بناء على أقصى ما يملكه أتباعهم من مواهب وقدرات وإمكانات غير مستغلة؛ إذ يعتقد هؤلاء القادة أن الأفراد والمنظمات وحتى الشعوب يملكون مواهب غير مكتشفة ومصادر غير مستغلة؛ وبالتالي فهم يحاولون الوصول لأقصى الاحتمالات الممكنة لأتباعهم؛ ليصلوا بهم لأبعد تفكير ممكن. وهؤلاء القادة يمكن تصنيفهم إلى أربعة أنواع، هي:
1. القادة الملهمون.
2. القادة المهذبون.
3. القادة المفكرون.
4. القادة الخادمون.
وقبل أن نعرف كل نوع نشير إلى أن بعض القادة يمكن أن يجمع بين نوعين أو أكثر، أي يمكن أن يكون ملهماً ومهذباً ومفكراً وخادماً. والأمثلة على ذلك كثيرة، ابتداء من رسول الأمة - صلى الله عليه وسلم - إلى خلفائه، بل إلى وقتنا الحاضر.
أولاً- القادة الملهمون:
يجلبون التغيير بقوة الصبر والحلم والالتزام بأفكارهم ومنهجهم في العمل وفي الحياة. ينقلون أتباعهم من التطبيقات الحالية إلى الاحتمالات المستقبلية. كلماتهم محفزة؛ ترفع المعنويات، وتشحذ الهمم، وتدفع إلى مضاعفة الجهد والإنجاز. يحب الناس اتباعهم؛ لأنهم يدفعونهم إلى الوصول إلى أفضل ما يملكونه من مواهب وقدرات.
القادة الملهمون لديهم أمزجة إيجابية، تكون مشاعر ترابط قوية مع الناس. كلماتهم تبعث الحيوية، مثل: العدالة، الحرية، الشرف والكرامة، التقدير والاحترام، الفخر والاعتزاز والحب. هؤلاء القادة يبنون الثقة بالنفس لدى أتباعهم، ويشددون عليها في تعاملهم، ويحيون الأمل في النفوس حتى في الظروف الصعبة.
القادة الملهمون يوجدون الشعور بالضرورة القصوى بشرحهم وإقناعهم لأتباعهم. لماذا يجب اتخاذ إجراء ما حالاً وليس فيما بعد؟ ويقدمون لهم الخطوات اللازمة لذلك. القادة الملهمون يجذبون أتباعهم، ويشجعون الناس على التغيير بقوة حلمهم وصبرهم وتحملهم وعطفهم وثقتهم في أنفسهم وقوة قناعاتهم.. وليس بقوة سلطتهم أو استخدام العنف. ومن أمثلة هؤلاء القادة: الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن تركي آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية بشكلها الحديث وأول ملك للملكة العربية السعودية، الذي بقيادته الملهمة لأتباعه تم تحقيق إنجازات عظيمة، لا يتسع المقال لحصرها. وكذلك مثله أبناؤه الملوك كافة.
ثانياً- القادة المهذبون:
يمتازون بالجرأة والنقاء، ويتحلون بالشجاعة في السير في تنفيذ رؤيتهم، على الرغم من الاعتراضات والمخاطر؛ فهم يملكون تصوراً واضحاً عن أهدافهم قصيرة الأمد، وعن رؤيتهم البعيدة، وعن القيم التي يحملونها ويعملون من أجلها. واضحون، ويتحدثون بجلاء عن ما يعتقدون، ويدافعون عن قيمهم حتى لو لم تكن معتادة. هؤلاء القادة - إضافة إلى إيمانهم القوى بما يقومون به - لديهم قدرة على الثبات على مواقفهم رغم كل الظروف. واقعيون، يبحثون عن الحقيقة، ولا يقولون إلا الحقيقة. القادة المهذبون يجذبون أتباعهم، ويقنعون الناس بالتغيير برغبتهم وقدرتهم الشديدة على تحمل المخاطر في سبيل ما يحملونه من معتقدات وقيم، هدفها الحب والخير لكل الناس. ومن أمثلة هؤلاء القادة: المشير عبدالرحمن سوار الذهب الذي عرف بنشاطه الجم، ومشاركته الفاعلة في القضايا السودانية والإسلامية والعربية، وأصبح من أبرز الشخصيات محلياً وعربياً وإسلامياً وعالمياً؛ إذ ساهم مساهمة فاعلة في استتباب الأمن في السودان؛ إذ يعتبر أول رئيس عربي يسلم السلطة في السودان طوعاً.
ثالثاً- القادة المفكرون:
يعتمدون على قوة الأفكار لجعل التغيير من الأمور المعتادة لدى أتباعهم؛ إذ يوسعون مداركهم بمساعدتهم في التبصر في الاحتمالات الجديدة؛ إذ يرون أن مخ الإنسان إذا اتسع بأفكار جديدة لا يرجع لوضعه الطبيعي السابق.
أحياناً بعض الأفكار تجلب تحولاً جذرياً، يمكن أن يزود برؤى للمراجعة وتغيير المفاهيم المتصلبة. وفي أحيان أخرى تقود الأفكار الجديدة إلى قبول التغيير، والتغيير سواء كان صغيراً أو كبيراً يبدأ بأفكار صغيرة.
يتنافس القادة المفكرون لقرون طويلة في سوق الأفكار، ويستخدمون الكتب والورق، والمحادثات والدروس الشفهية، ولا يزالون، ولكن باستخدام الإنترنت وبرامج التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل التقنيات الحديثة المتقدمة لعرض وتوصيل أفكارهم بسرعة وتباهٍ، وجعلها متوافرة حتى للناس العاديين.
إن القادة المفكرين يجذبون أتباعهم بقوة أفكارهم وقدرتها على إقناعهم، وليس بقوة ما يملكونه من مال أو نفوذ. ومن أمثال هؤلاء القادة: زكي نجيب محمود: فيلسوف مصري، يعد من أهم الفلاسفة العرب، ويقدم الفلسفة بأسلوب أدبي ممتع وشارح، لا يُشعرك بالملل أو بالحيرة وأنت تتوغل معه في القضايا الفلسفية الصعبة، بل يقدمها بلغة أدبية سهلة. وقد تتلمذ على يده الكثير من المفكرين العرب، من بينهم على سبيل المثال الدكتور إمام عبدالفتاح إمام، والصحفي الشهير أنيس منصور. عمل بتدريس الفلسفة في جامعات عدة حول العالم، في أمريكا ومصر والكويت، وعمل فترة من حياته وزيراً للثقافة في مصر. ومن كتبه المهمة (ثقافتنا في مواجهة العصر) و(تجديد في الفكر العربي) و(مجتمع جديد أو الكارثة) و(نحو فلسفة علمية). كما قدم سيرته الذاتية في كتاب بعنوان (قصة عقل)، الذي اعتُبر واحداً من أهم كتبه؛ إذ قدمه بأسلوب أدبي رائع، ولم يتخلَّ فيه عن اهتمامه الفلسفي ومناقشاته للقضايا الفكرية مستعرضاً لها من خلال رحلة حياته بين الشرق والغرب. و(قصة عقل) هو الجزء الثاني من ثلاثية سيرته الذاتية التي تتكون من (قصة نفس) و(قصة عقل) و(حصاد السنين).
وكذلك المفكر علي الوردي: مفكر ومؤرخ وعالم اجتماع عراقي، عمل أستاذاً في كلية الآداب بجامعة بغداد، كما شغل منصب وزير المعارف. كتب وألّف عدداً كبيراً من البحوث والكتب والمقالات، وكان متأثراً بشكل خاص بمنهج ابن خلدون في علم الاجتماع، بخلاف الكثير من مفكري عصره الذين تأثروا بالفكر الماركسي. اهتم بدراسة الشخصية العراقية في عدد من كتبه، وكان له منهج مهم في دراسة الشخصية القومية، أي شخصية سكان دولة أو وطن محدد. ومن أهم كتبه:
* مهزلة العقل البشري
* وعاظ السلاطين
* خوارق اللاشعور
* الأحلام بين العلم والعقيدة
رابعاً- القادة الخادمون:
يهتمون كثير جداً بشأن الناس المحتاجين وقضاياهم، ويحاولون جهدهم إزالة العقبات التي تعوق الناس عن تحقيق ما يطمحون لتحقيقه، وما يعوق تنميتهم وتطورهم، ويسعون لإيجاد بيئة يؤدي فيها أتباعهم العمل المنشود بأقل وقت وجهد وتكلفة. ومن أمثال هؤلاء القادة: الدكتور عبد الرحمن حمود السميط: داعية كويتي، وهو غني عن التعريف؛ إذ أسلم على يديه أكثر من 11 مليون شخص في إفريقيا، بعد أن قضى أكثر من 29 سنة ينشر الإسلام فيها.
ختاماً: القادة الناجحون لهم أشكال وأحجام وألوان وأنماط مختلفة، ولا يمكن أن نجد بينهم اثنين متشابهين، ولا أنموذجاً واحداً يمكن أن يكون أفضل من الآخر. كل القادة هدفهم تغيير الحالة القائمة إلى الأفضل، ولكنهم يستخدمون طرقاً وأساليب مختلفة؛ فبعضهم يقود بأفكاره، وبعضهم يقود بلطفه وحلمه ورحمته، وبعضهم يقود بصموده وشجاعته وحزمه أمام التحديات، وآخرون يقودون بتفانيهم في خدمة الناس ومساعدتهم وتطويرهم والسهر على راحتهم.