هدى بنت فهد المعجل
من مهارات المقابلة العلاجية في العلاج المعرفي السوكي التقبّل. ما معنى التقبّل؟ معناه جعل جلسة المعالج مع المريض مكاناً آمناً ليعبر فيها المريض عن رأيه وخباياه ومكنونات نفسه وأسراره التي يستحي أن يبوح بها في مكان آخر، يشعر أن المعالج سيناقشه فيها دون حياد أو تقريع أو بوح. تقبّل أخطاء المريض،
مشاعره السلبية، عجزه، ضعفه. تفهّم وضع هذا الشخص تفهماً لا يعني الموافقة وقبول الذي يقوله. فالمعالج يحاول استيعاب المريض والسماح له بحريّة الكلام مؤجلاً التعليق والتطبيع «بمعنى أن ما تشعر به طبيعي وعادي» بحيث لا يشعره المعالج بالموافقة والتأييد أو الرفض. ذلك لأن التقبل لا يستلزم التأييد. ليس في العلاج المعرفي السلوكي وحده إنما في مجمل حياتنا، الأمر الذي حرّضني على الاعتماد على مهارة من مهارات المقابلة العلاجية في العلاج المعرفي السلوكي للحديث عن فكرة التقبل والقبول. التفهّم والموافقة. حيث إن التقبّل ليس دائماً قبول وموافقة ففي التقبّل شيء من بث الطمأنينة في نفس من ارتاح إلينا واتجه ثم استرسل في الكلام والتنفيس عن ما بداخل نفسه. أعني بها علاقاتنا الاجتماعية وتعاملاتنا مع الناس والآخرين قبل أن يكون التقبّل مهارة علاجية يعتمد عليها المعالج المعرفي السلوكي. التقبّل مستويات أعتقد أن أدناها إشعار الطرف الآخر بالأمان دون قبول الذي يأتي منه ويصدر عنه. فما هو المستوى الأعلى للتقبل ؟؟. أغلب الظن أنه ما جاء في قوله تعالى في سورة آل عمران «فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ» لماذا ؟ لأن امرأة عمران نذرت ما في بطنها محرراً من كل شائبة، من كل شرك، من كل حظٍّ نفسي، فكلما ارتقت نياتنا الطيبة كان القبول حسناً. لذا نجد أن غاية العبد تقبّل الله له، لأعمالها، ولن يتحقق له التقبل بالتالي القبول ما لم تكون النوايا حسنة صافية خالصة لوجهه. «أُولَئِكَ الَّذينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا» الأحقاف 16.
بما أني أتيت على المعنى البسيط للتقبل والمعنى الأعلى له، ما رأيكم لو تطرقت لنقطة مهمة ألا وهي منهج القرآن في تقبل الآخر أو موقف القرآن من التعددية الدينية على اعتبار أن الديانات كلها تمتلك شيئاً من الحقيقة، بل هي شريكة مع الإسلام في امتلاك الحقيقة. وبهذا يبطل أي اعتقاد أن الحقيقة ملك خاص ونحن نعيش «التعددية الأخلاقية» المفروضة على أتباع الأديان والمطلوب منهم أن يتسامحوا ويلينوا في سلوكياتهم وتعاملاتهم مع أصحاب دين آخر. «التعددية الخلاصية أو الاستنقاذية»، فكل دين يرى أنه يمتلك فرص الفوز بالجنة أو بالخلاص. فنحن المسلمين عندما نتقبّل غير المسلمين في امتلاكهم هذا لا يعني قبولنا وتسليمنا بقدر ما أننا نتفهم احتراماً وطمعاً في تعايش أفضل معهم. فإذا تقبّلنا هذه التعددية من باب أولى تقبّلنا تعدديتهم الأخلاقية. وبعدنا كثيراً عن العنف وعن التطرف. حسب وجهة نظر فيلسوف الدين «جون هيك» الذي أشتغل كثيراً على فكرة التعددية الدينية لإيمانه بوجود تناغم بين الأديان المختلفة. ركز «جون هيك» في اشتغالاته عن التعددية الدينية على أخطر مرحلة، وأكثر المستويات حساسية في نظرية التعددية، ألا وهي «التعددية الدينية المعرفية» أو التعددية في الحقانية التي أتركها لي ولكم للقراءة والبحث فيها. فقط علينا تقبّل بعضنا وتقبّل الأخر طمعاً في عيش آمن وسالم.